[باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته]
والأصح أن النهي مقيد بزمان حياته صلى الله عليه وسلم. قوله (١)[وفي الحديث ما يدل على كراهية أن يكني أنا القاسم] أي مطلقًا وإن لم يسم باسمه، ووجه ذلك أن أكثر ندائهم فيما بينهم إنما كان بالكني لدلالة ما لها على التعظيم والتفاؤل بالولد. فنهوا عنه لئلا يلتبس بندائه صلى الله عليه وسلم، وقد عرفت أن علة النهي قد ارتفعت.
(١) اختلفت روايات الحديث في ذلك، ولذا اختلفت أقوال أهل العلم، أجملها النووي، وبسطها الحافظ في الفتح، وذكر في المسألة خمسة مذاهب: الأول المنع مطلقًا وهو مذهب الشافعي والظاهرية، وبالغ بعضهم فقال: لا يجوز لأخذ أن يسمي ابنه القاسم، والثاني الجواز مطلقًا، وكان النهي مختصًا بحياته صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب الجمهور، والثالث لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز لغيره، قال الرافعي: يشبه أن يكون هذا أصح ووهاه النووي، والرابع المنع من التسمية بمحمد مطلقًا، وكذا التكني بأبي القاسم مطلقًا، والخامس المنع مطلقًا في حياته والتفصيل بعده بين من اسمه محمد وأحمد فيمتنع وإلا فيجوز، انتهى. ومختار الشيخ هو ما اختاره صاحب الدر المختار إذ قال: ومن كان اسمه محمدًا لا بأس بأن يكني أبا القاسم، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، قد نسخ لأن عليًا كنى ابنه محمد بن الحنفية أبا القاسم، انتهى. قلت: وفعل علي كان بإذنه صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، وأبو داؤد وابن ماجة، وصححه الحاكم من حديث علي قلت: يا رسول الله إن ولد لي ولد بعدك أسميه باسمك وأكتبه بكنيتك؟ قال: نعم، وقد روى عن جماعة من الصحابة أنهم سموا أبناءهم محمدًا وكنوهم أبا القاسم، وقال القاضي في الشفاء: حمل محققوا العلماء نهيه صلى الله عليه وسلم على مدة حياته وأجازوه بعد وفاته لارتفاع العلة. وللناس فيه مذاهب، وما ذكرنا هو مذهب الجمهور والصواب إن شاء الله تعالى، انتهى. قال النووي: هذا مذهب مالك، وقال القاضي: به قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء، انتهى.