قوله [الغنيمة الباردة] هي التي يحتج في تحصيلها إلى الحروب الكروب التي الغالب فيها حرارة المغتنمين واصطلاؤهم بنيران الحروب فهي موصوفة بوصف المغتنمين مجازًا والمراد بذلك بيان أن أجر نفس الصوم مساو في الوقتين جميعًا وأما ما كان يزداد لهم في صوم شدة الحر من أجر الصبر على هذه الشدة فلا ينال في صوم الشتاء إلا أن يتمناه طلبًا لمزيد الثواب فإنه يثاب ذلك الثواب بنسبة هذه فزيادة أجره بزيادة مشاقه كزيادة الإمام لمن رأى منه جرأة وشدة في الحرب زيادة له على سهمه الذي له من الغنيمة، ووجه التشبيه بالغنيمة ما يحل له من الأجر الجزيل على صومه مع مشقة كثيرة أو على مشقة يسيرة كما أن الغنيمة كذلك فمنها ما هي حاصلة بسهولة ومنها ما ليست كذلك.
قوله [لما نزلت {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}] اختلفت الروايات في تفسيرهذه الآية فيفهم من بعضها أنها نزلت في القادرين على الصوم ومن بعضها أنها فيمن لا يقدر والمذهب أنه لا عموم للمشترك والذين قالوا بعمومه أنكروه أيضًا إذا كان بين المعنيين تضاد كما وقع في هذه الآية فلا سبيل إلا إلى تعيين أحد محتمليه مع أن روايات الجانبين صحيحة والجواب أن الآية حين نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين فعملوا على كل ما تحتمله الآية من المعنى، ولم ينه النبي صلى الله عليه وسلم لعدم التعيين بالوحي من معانيها أصحابه رضي الله عنهم عن إعطاء الفدية والإفطار لكون ذل ممكن المراد أيضًا كما أن المعنى الآخر كان ممكنًا إرادته أيضًا وليس هذا عمومًا للمشترك مفعول لم ينه وإنما هو عمل من المجمل بمحتمليه ولا ضير فيه قبل أن يبين المجمل معنى كلامه وما قيل أن المجمل لا يعمل به ما لم يتبين مراد القائل فإنما ذلك حيث لم يمكن العمل به كآية الربا فإنه لو عمل بها لانسدت أبواب التجارات واختل أمر العقود والبياعات فلما أوقف الله نبيه على معنى تعين ذلك المعنى وصار ما دونه في حكم المنسوخ فمن كان منهم حملها على ذلك المعنى الذي تعين بعد