(٢) اختلفت عبارات شراح الحديث ومشايخ التفسير في ذلك، وما أفاده الشيخ يظهر إليه ميل الحافظ في الفتح إذا قال تحت ترجمة البخاري (باب الصراط جسر جهنم): أي الجسر المنصوب على جهنم لعبور المسلمين عليه إلى الجنة، وقال أيضاً تحت حديث أنس في الشفاعة الكبرى: فيه إشعار بأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن، ثم ينادى المنادي: ليتبع كل أمه من كانت تعبد، فيسقط الكفار في النار، ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق، ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه فيطفأ نور المنافقين، فيسقطون في النار أيضاً، ويمر المؤمنون عليه إلى الجنة، فمن العصاة من يسقط ووقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصة بينهم ثم يدخلون الجنة، انتهى ويؤيد ذلك حديث البخاري عن أبي هريرة في الرؤية، وفيه: يجمع الله الناس فيقول: من كان بعيد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة، فيقولون: نعوذ بالله منك، فيأتيهم في الصورة التي يعرفونها، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه ويضرب جسر جهنم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فأكون أول من يجيز، الحديث. قلت: ولا يبعد عندي أن يقال: إن الصراط سلم على الجهنم كسلم المحطات والجو بين كل قصمتين باب إلى جهنم، فأنه أخرج في دقائق الأخبار مرفوعاً: إن الصراط سبع قناطر كل قنطرة منها مسيرة ثلاثة آلاف سنة، ألف منها صعود، وألف= =استواء، وألف هبوط، وكذا روى في طبقات جهنم أن لها سبعة أبواب لكل باب منها جزء مقسوم، وسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- جبرائيل: أكانت أبوابها كأبوابنا هذه؟ قال: لا، ولكنها مفتوحة بعضها أسفل من بعض، من الباب إلى الباب مسيرة سبع مائة سنة، كل باب منها أشد حراً من الذي يليه، الباب الأسفل للمنافقين وآل فرعون واسمه هاوية، والثاني للمشركين، وهو الجحيم، والثالث السقر للصابئين، والرابع اللظى لا بليس ومن تبعه، والخامس الحطمة لليهود، والسادس السعير للنصارى، والسابع للعصاة، وإذا عرفت ذلك فما يخطر بالبال- والله أعلم بحقيقة الحال- أن من خص الصراط بالمؤمنين أراد الصعود على الصراط على السطحة الأعلى منه، فان غير المؤمنين مالهم وللطبقة الفوقانية لجهنم، بل يسقطون فيها قبل تمام الصعود على الصراط فتأمل، والله أعلم وعلمه أتم، ونسأله العصمة من هذه المهالك.