للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورود الشبهة عليه فسألته لذلك، فأجاب صلى الله عليه وسلم بأن المحاسبة في الحقيقة إنما هي التي يبالغ ويستقصى فيها، وأما ما فيها استفسار وليس فيها شدة فإنما ذاك عرض، وليس يطلق عليه الحساب إلا مجازًا، ثم إن الراوي لما علم أن الهلاك إنما هو منوط بالمناقشة وضعها موضع الحساب، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

[سورة البروج]

قوله [أفضل منه] وقيل: أفضل الأيام يوم عرفة (١) فالفضل فيه جزئي. قوله [فأوحى الله إلخ] فيه حذف (٢)، أي وقعت فيهم معصية فأوحى


(١) كما فصل في الأوجز، وتقدم شيء من ذلك في أبواب الجمعة.
(٢) لم أجد الرواية المفصلة، ولعل ذلك توجيه للحديث من الشيخ لما في ظاهره من الإشكال بقوله عز اسمه: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وغير ذلك من النصوص، ويمكن عندي أن يوجه الحديث بأن هذا النبي عليه السلام لما أعجب بكثرة أمته وسكت على ذلك الأمة أيضًا فكأنهم اشتركوا في الإعجاب، ولذا ساء النبي صلى الله عليه وسلم إعجابهم يوم حنين، كما ورد في الروايات المتعددة ذكرها السيوطي في تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} الآية. ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يهمس بالدعاء الآتي ذكره، فإن قصة الهمس هذه كانت في حنين كما ورد في روايات عديدة، منها ما في مسند أحمد بسنده إلى صهيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه أيام حنين بشيء لم يكن يفعله قبل ذلك، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن نبيًا كان فيمن كان قبلكم أعجبته أمته فقال: أن يروم هؤلاء شيء، فأوحى الله إليه أن خيرهم بين إحدى ثلاث: إما أن أسلط عليهم عدوًا من غيرهم فيستيحهم، أو الجوع، أو الموت، قال: فقالوا: أما القتل أو الجوع فلا طاقة لنا به ولكن الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمات في ثلاث سبعون ألفًا، قال فقال: فأنا أقول الآن: اللهم بك أحاول، وبك أصول، وبك أقاتل، وبطريق آخر قال: كان إذا صلى همس شيئًا لا نفهمه ولا يحدثنا به، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فطنتم لي؟ قال قائل: نعم، قال: فإني ذكرت نبيًا من الأنبياء أعطى جنودًا من قومه، فقال: من يكافئ لهؤلاء، أو من يقوم لهؤلاء، أو كلمة شبيهة بهذه، قال: فأوحى الله إليه، الحديث. وفي آخره: فهمسي الذي ترون أني أقول: اللهم يا رب، بك أقاتل، وبك أصاول، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبطريق آخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله، فقلنا: يا رسول الله، إنا نراك تفعل شيئًا لم تكن تفعله، فما هذا الذي تحرك شفتيك؟ قال: إن نبيًا فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال: أن يروم هؤلاء شيء فأوحى الله إليه، الحديث. وفي آخره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا أقول الآن حيث رأى كثرتهم: الله بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل، وغير ذلك من الروايات، فعلم أنه صلى الله عليه وسلم تذكر قصة هذا النبي عليه السلام لما وقع لمثل هذه القصة للمسلمين أيضًا يوم حنين إذ أعجبتهم كثرتهم، ولذا وقع لهم نوع من الهزيمة أولاً، لكن سيد الرسل لما استعان بحوله وقوته عز اسمه ووكل الأمر إليه تعالى كما تقدم في الدعاء الذي همس به عادت الهزيمة إلى الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>