للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر]

قوله [أقبل عليهم] فيه إشارة إلى أن الأدب (١) أن يكون عند التسليم متوجهًا إلى القبور لا مدبرًا، قوله [السلام عليكم يا أهل القبور] استدل بظاهره من قال بسماعهم ومنهم عمر وابنه وأيضًا فلهم من الروايات مما ورد أن الميت ليسمع خفق نعالهم إذ يحضران (٢) عنده ملكان نكير ومنكر والجواب أن ذلك كناية عن سرعة إتيانهما بعد الدفن لا حقيقة ومن أنكر سماعهم تشبث بتوسط الملائكة لتصحيح الخطاب، واستدل المكرون ومنهم عائشة وابن عباس ومنهم الإمام، بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} فإنه لما شبه الكفار بالأموات في عدم السماع علم أن الأموات لا يسمعون وإلا لم يصح التشبيه، وما قيل إنه من قيل {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} غير تام لأنه لا يصح على هذا قوله بعده {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا} إلخ، فإن الاقتدار منه سبحانه كما هو في الأول، فكذا في الثاني، فكيف يصح إثباته له صلى الله عليه وسلم في نوع ونفيه في نوع، وما قال المثبتون: إن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بدر على رأس القليب ينادي على ثبوت السماع أعلى نداء فأجاب عنه المنكرون بعضهم من أنه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم بكفار بدر رد الله سبحانه أرواحهم في أجسامهم ليسمعوا خطابه تنكيتًا لهم وتبكيتًا وتزييدًا في عذابهم، وقال بعضهم: إنما خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم: ليغيظ بذلك المشركون من قريش، ومعنى قوله لعمر: ما أنت بأسمع منهم أي بأعلم منهم، فسرته بذلك عائشة، فلا يكون دليلاً على السماع


(١) قال المظهر اعلم أن زيارة الميت كزيارته في حال حياته يستقبله بوجهه ويحترمه، كما كان يحترمه في الحياة يجلس بعيدًا منه إن كان في الحياة يجلس بعيدًا وقريبًا منه إن كان قريبًا منه، كذا قاله أبو الطيب.
(٢) ولفظ الحديث كما في جمع الفوائد برواية الشيخين وأبي داود والنسائي عن أنس رفعه أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع خفق قرع نعالهم، إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه، الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>