للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حبه إياه، وهذا غير خفي على من ابتلى بحب أحد فإن زيادة تعلق قلب الرجل بمتعلقي محبوبه مترتبة على حسب حبه له، فكل ما كان حبه له أوفر كان التعلق بأهل وده أكثر.

فمن مذهبي حب الديار لأهلها ... وللناس فيما يعشقون مذاهب

[باب في بر الخالة]

قوله [فهل لي من توبة] لقد تقرر في أكثر النفوس ورسخ أن الجناية العظيمة لا تكفرها التوبة باللسان فإنه أمر خفيف عندهم، ويشهد له قصة ماعز والامرأة الأسلمية فإنهما لم يريا التوبة مكفرًا عنهما حتى قالا طهرنا مع أن الطهارة قد كانت حصلت بالندامة على ما فرطا في جنب الله، فلما عرفت ذلك فاعلم أن الرجل قد كانت معصيته غفرت له كائنًا ما كان بتندمه إلا أنه لم يكن يرى هذه الندامة -وهو أمر لا مشقة فيه- مكفرة عنه فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الخالة لا لرفع الجناية فإنها كانت ارتفعت، بل ليحصل في قلبه نوع طمأنينة، وأيضًا فقد ورد في بعض الروايات أن بدر منه ذنب ثم ندم عليه والأولى (١) أن يأتي


(١) هكذا في الأصل، والظاهر فالأولى، ثم ما أفاده الشيخ هو بيان للمراد ومعنى الروايات على الظاهر فإن هذا المعنى ورد بألفاظ مختلفة، قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وأخرج السيوطي في تفسيره عن أحمد عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن السيء بالحسن، وعنه عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا معاذ اتبع السيئة الحسنة تمحها وعنه عن أبي ذر قلت: يا رسول الله أوصني قال: اتق الله إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة الحديث، وغير ذلك. وقد ورد عند البخاري وغيره في حديث قصة كعب بن مالك أن من توبتي أن أنخلع من مالي، وقد ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم من قال لصاحبه: تعالى أقامرك فليتصدق، وغير ذلك من الروايات الكثيرة في الباب كأحاديث التصدق في جماع الحائض، وتفويت الجمعة وغيرها، هذا وقد يأتي شيء من ذلك في باب معاشرة الناس في حديث أبي ذر أتبع السيئة الحسنة تمحها.

<<  <  ج: ص:  >  >>