(٢) قال القاضي: فيه دليل على اعتبار قول القائف في الأنساب وأن له مدخلاً في إثباتها وإلا لما استبشر به النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وعامة أهل الحديث وقالوا: إذا ادعى رجلان أو أكثر نسب مولود مجهول النسب ولم يكن له بينة أو اشتركوا في وطي امرأة بالشبهة فأتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهم وتنازعوا فيه حكم القائف فبأيهم ألحقه لحقه، ولم يعتبره أصحاب أبي حنيفة، بل قالوا: يلحق الولد بهم جميعًا، قال ابن الهمام: إذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه، وإن ادعياه معًا يثبت نسبه منهما، انتهى. ومحصل الجواب عن استدلالهم بأن مبناه ليس إلا على استبشاره صلى الله عليه وسلم وسروره بقول القائف، وهو يحتمل أمرين إما أن يكون رضى بقول القائف ومثبتًا لنسبه منه أو يكون ردعًا لزعم أهل الجاهلية بإبطال نسبه منه، وقد ثبت أن أهل الجاهلية تقدح في نسب أسامة، وأثبت الشرع نسبه منه ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم منه في شك، بل كان على يقين فلا يشك أن استبشاره صلى الله عليه وسلم بقول القائف لم يكن على الاحتمال الأول بل على الثاني، فلو كان الاحتمالان متساويين لم يكن فيه محل الاستدلال فكيف إذا كان الاحتمال الثاني هو الأرجح بل هو المتعين، فلا يجوز الاستدلال باستبشاره صلى الله عليه وسلم على إثبات أمر القائف في إثبات النسب، هكذا في البذل مختصرًا.