يعني أن إرساله أصح من رفعه لكون من أرسل أوثق ممن رفعه وأكثر فيكون الإرسال أعمد، والله أعلم.
[باب في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد]
لما كانت أمزجة النسوان مائلة لا إلى النظافة الطبيعية أمر النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب الرجل فضل طهور المرأة أن يستعمله لاحتمال أن تقع غسالتها فيه بخلاف الرجال فإنهم ليسوا كذلك فلا ضير في استعمال المرأة فضل طهوره وإنما نهى الفقهاء رحمهم الله تعالى عن شرب الرجل فضل سور المرأة دون العكس فلأن المرأة مستورة بجميع أجزائها وشرب المائع سبب لاختلاط شيء من لعابها به فيكون شرب الرجل إياه استعمالاً لجزئها المستور وكون الذوق من الحواس لا ينكر وهذا كله إذا لم يخف الفتنة، وأما إذا خيفت فالنهي عام لكل من الرجل والمرأة، ثم إن النهي عن استعمال فضل طهور المرأة لما كان مشعرًا بالتحريم (١) كما هو الأصل أظهر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل والوضوء من
(١) والمسألة خلافية عند الأئمة، قال النووي: أما تطهر المرأة والرجل من إناء واحد فهو جائز بإجماع المسلمين، وأما تطهر المرأة بفضل الرجل فهو جائز بالإجماع أيضًا، وأما تطهر الرجل بفضلها فهو جائز عندنا ومالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء سواء خلت به أو لم تخل، وذهب أحمد بن حنبل وداؤد إلى أنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها، انتهى، قلت: وما حكى من الخلاف في المسألتين الأوليين فشاذ، وأما الثالثة فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما هذه والثانية يجوز للرجال والنساء ثم قال النووي: أما الحديث الذي جاء بالنهي وهو حديث الحكم بن عمرو فأجاب العلماء عنه بأجوبة: أحدها أنه ضعيف ضعفه أئمة الحديث منهم البخاري وغيره، الثاني المراد النهي عن فضل أعضائها وهو المتساقط منها، والثالث النهي للاستحباب، وقال ابن العربي: حديث جواز التوضئ بفضلها فصحيح كلها وحديث الحكم فقال الغفاري: لا أراه صحيحًا، وحديثنا أولى لوجهين: أحدهما أنه أصح، الثاني أنه متأخر عنه بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يغتسل من الإناء قالت ميمونة: إني قد توضأت منه هذا يدل على تقدم النهي أو يكون معناه كراهية الوضوء بفضل الأجنبية ليذكرها أثناء الغسل واشتغل البال بها.