للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في ذهاب العلم]

قوله [هذا أوان يختلس فيه العلم إلخ] أرى (١) النبي صلى الله عليه وسلم وقت وفاته أو وقت انتزاع العلم رأسًا، كما يكون في آخر الزمان، والمراد على الأول إنما هو انتزاع ترقيه وفيضانه من الله سبحانه، كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، واختلاس الفيضان وقت وفاته صلى الله عليه وسلم ظاهر، ثم لما علم انقطاع فيضانه علم انقطاعه رأسًا في وقت ما، لأن علم الصحابة أقل بكثير من علمه صلى الله عليه وسلم، كما أن علم التابعين من علم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وهلم جرًا إلى أن يأتي الزمان الذي بينه في هذا الحديث، وأيا ما كان فالمقصود أن العلم يأخذ في التقليل إلى أن ينتفي رأسًا.

قوله [ثكلتك أمك إلخ] إنما كان لسؤال زياد وشبهته جوابان: الأول أن العلم بالكتاب كما هو مفاد الإقرار المبين في السؤال لا يلزمه فهم معانيه على وجه الصواب، والثاني أن العلم بالكتاب وإن سلم فهم معانيه أيضًا لا يلزمه العمل بمقتضاه فكان غير مفيد، إلا أن الجواب الأول كان فيه مساغ للسؤال والشبهة بأنه كيف يمكن علم الكتاب من غير فهمه، واستبعاد خلو الألفاظ عن الدلالة على المعاني غير مستبعد، فلذلك أجاب بتسليم أن يفهموا المعاني أيضًا بأن العلم إذا لم يقارن به العمل لا عداد به كأهل الكتاب فإنهم لما لم ينتفعوا بعلومهم ما كانوا إلا كالحمار يحمل أسفارًا، وبئس العلم علم لم ينتفع به العالم ولا غيره.

قوله [من تعلم علمًا لغير الله] المراد به (٢) العلم الديني إذ هو العلم حقيقة.


(١) وبالأول جزم الطيبي كما حكاه عنه القاري إذ قال: كأنه صلى الله عليه وسلم لما نظر إلى السماء كوشف باقتراب أجله فأخبر بذلك، والمعنى الثاني أظهر بألفاظ الحديث إذ نفي العلم بالكلية حتى لا يقدروا منه على شيء.
(٢) ويؤيد ذلك ما في المشكاة برواية أبي داود وغيره عن ابن عمر وأبي هريرة مرفوعًا: من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، الحديث.
وإلى هذ المقام انتهت مسودة الإرشاد الرضى وهو أنفع تقرير لطالبي الحديث لكونه في اللسان الهندية، فيا للأسف على اختتامه، وإلى الله المشتكى، نضر الله جامعه ومسوده رحمه الله تعالى رحمة واسعة، فقد توفي في يوم السرور يوم العيد من السنة الماضية ١٣٥١ هـ، وكان شريك الدرس لوالدي المرحوم، وكان ذكيًا أديبًا لبيبًا طبيبًا حافظًا للقرآن ماهرًا في العلوم العقلية والنقلية، وذكرته في هذه الحواشي بالإرشاد الرضى مشيرًا إلى اسم الجامع والشيخ كليهما نفع الله به طلبة الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>