اعلم أن العرية (١) هي العطية وكانوا يعطون المفاليس أشجارًا ونخلات من حيطانهم ليأكلوا ثمارها ثم إن الأنصار ملاك البساتين كان من عادتهم توطن الحيطان في أيام إدراك الثمار يقيمون بها مع أهلهم فكانوا يتضررون بدخول هؤلاء المفاليس عليهم في أي وقت شاؤا وكان هؤلاء يتضررون بالذهاب إلى البساتين والإياب منها لثمرات ثمرات فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بتضرر الفريقين كليهما رخص المفاليس أن يبيعوا أرطابهم والأغنياء الملاك للبساتين أن يشتروا هذه الأرطاب بتمرات مثل كيلها خرصًا فقد تبين أن تسمية هذه المبادلة بيعًا مجاز لما أنها كانت هبة لم تتم لعدم القبض فعوضوا عن هبتهم هبة أخرى والخرص كان تطييبًا لقلوب المعرى لهم لما كانوا يترقبون وصول ذلك المقدار إليهم بعد الجذ وإيفاء لعدة من أعرى من الأغنياء فإنه إذا وعد بإعطاء حق ونوى أن يعطي ذلك المقدار فأولى له أن لا ينقص منه ويفي بوعده بتمامه، ثم تقييده بخمسة أوسق كما وقع في بعض الروايات مبني على أنهم كانوا يعرون كذلك ولو أعطوا أكثر منه رخص فيه وكذلك استبداله بالتمر لما أنهم لا يجدون إلا ذلك فلو استبدلوه بالأرطاب أو بالثمن لجاز لهم إلا أن ذلك لم يكن فلم يذكر هذا ما قال الإمام الهمام، وقال الآخرون أن العرية مزابنة إلا أن العرية يطلق على ما قل المبيع فيه من خمسة أوسق وهي جائزة مع حرمة المزابنة التي هي داخلة فيها لاستثناء النبي صلى الله عليه وسلم إياها عن الحرمة حين حرم المزابنة وأنت تعلم أن هذا خرق لعرف اللغة إذ ليس فيه معنى العارية والتزام لمفاسد كثيرة لا تحصى منها إبقاؤها على النخيل بعد الشراء فإن الرجل إذا اشترى ما على الشجر فليس له أن يترك على النخيل بعد ذلك ومنها ما في ذلك من شبهة الربا فإن الخرص فيه ثلاثة احتمالات، إما أن
(١) قال صاحب المجمع: هو فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصد أو بمعنى فاعلة من عرى يعرى إذا خلع ثوبه كأنها عريت من التحريم فعريت، انتهى.