للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم، والأصل أن العبد إذا أذنب فأقيم عليه الحد، فالظاهر من حاله أنه يتوب بعد ذلك، ولذلك لم يذكر فيه إلا شقًا واحدًا، وهو أنه إذا عجل عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثنى على عبده العقوبة، وكذلك في الشق الثاني شقان إما أن يتوب العبد بعد ستره تعالى أولا يتوب، والمذكور منهما واحد.

[باب في علامة المنافق]

قوله [آية (١) المنافق ثلاث] ولا يلزم من كون


(١) قال القاري: الآية العلامة، وإفرادها إما على إرادة الجنس، أي كل واحد منها آية، أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث، ويؤيد الأول ما في صحيح أبي عوانة بلفظ: علامات المنافق ثلاث، فإن قيل: ظاهره الحصر في الثلاث، فكيف جاء في الحديث الآخر بلفظ أربع؟ أجاب القرطبي باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم استجد له العلم بخصالهم ما لم يكن عنده، وقال الشيخ ابن حجر: ليس بين الحديثين تعارض لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق لاحتمال أن تكون العلامات دالات أصل النفاق، والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق على أن في رواية لمسلم عن أبي هريرة ما يدل على عدم الحصر، فإن لفظه: من علامة المنافق ثلاث، فقد أخبر ببعض العلامات في وقت، وبعضها في وقت آخر، ووجه الاقتصار على هذه الثلاث أنها منبهة على ما عداها إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث. القول والفعل والنية، فنبه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخلف، لأن خلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنًا للوعد، أما لو كان عازمًا ثم عرض له مانع أو بدًا له رأى فهذا لم توجد منه صورة النفاق، وفي الطبراني من حديث سلمان ما يشهد له، ولفظه: إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف، وفي أبي داود والترمذي من حديث زيد بن أرقم إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف فلا إثم عليه، قال النووي: هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلاً من حيث أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره قال: وليس فيه إشكال بل معناه صحيح والذي قاله المحققون أن معناه أن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلق بأخلاقهم. قال الحافظ: ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز، وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر، وقيل في الجواب عنه: إن المراد نفاق العمل، وهذا ارتضاء القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة: هل تعلم في شيئًا من النفاق، فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر، وإنما أراد نفاق العمل، ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الآخر بقوله: كان منافقًا خالصًا، وقيل: المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وأن الظاهر غير مراد، وهذا ارتضاه الخطابي، وذكر أيضًا أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنًا، قال: ويدل عليه التعبير بإذا، فإنها تدل على تكرار الفعل، والأولى ما قال الكرماني: إن حذف المفعول من حديث يدل على العموم، أي إذا حدث في كل شيء كذب فيه، أو يصير قاصرًا أي إذا وجد ماهية التحديث كذب، وقيل: هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال، وتهاون بها واستخف بأمرها، وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس، ومنهم من ادعى أنها للعهد فقال: إنه ورد في حق شخص معين، أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه، وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>