[قوله قرآني مقبلاً فقال هم الأخسرون ورب الكعبة] لم يكن قوله صلى الله عليه وسلم هذا قصدًا منه برؤية أبي ذر ليسمعه بل كان النبي صلى الله عليه وسلم لعله كشف عليه شيء من أحوالهم فاتفق إتيان أبي ذر في زمان قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فلما سمع أبو ذر هذا ولم يكن هناك أحد يتكلم بالنبي صلى الله عليه وسلم خاف أبو ذر وجلس مفكرًا في نفسه لعلي أذنبت ذنبًا أو نزل في شيء، ثم إنه لم يطق أن يصبر حتى سأل النبي صلى الله عليه وسلم من هم فداك أبي وأمي فقال [هم الأكثرون] والمراد بذلك أصحاب النصب أي نصاب المال من النقدين وغيرهما، وقد صرح بالمال الناطق بعد ذلك فالظاهر أن يراد بالأول الصامت، وفي ذلك تأييد لما ذهب إليه (١) الإمام من أن الدراهم الكثيرة
(١) إشارة إلى مسألة الإيمان يعني من حلف على المال الكثير أو الدراهم الكثيرة يراد بها النصاب كذا في تقرير مولانا رضي الحسن المرحوم، قلت: إلا أن المسألة خلافية ففي الهداية: لو قال مال عظيم لم يصدق في أقل من مأتى درهم لأنه أقر بمال موصوف فلا يجوز إلغاء الوصف، والنصاب مال عظيم حتى اعتبر صاحبه غنيًا به والغني عظيم عند الناس، وعن أبي حنيفة أنه لا يصدق في أقل من عشرة دراهم وهي نصاب السرقة وعنه مثل جواب الكتاب وهذا إذا قال من الدراهم أما إذا قال من الدنانير فالتقدير فيها بالعشرين وفي الإبل بخمس وعشرين لأنه أدنى نصاب يجب من جنسه وفي غير مال الزكاة بقيمة النصاب، ولو قال دراهم كثيرة لم يصدق في أقل من عشرة هذا عند أبي حنيفة، وعندهما لم يصدق في أقل من مأتين، انتهى، وهكذا قال صاحب البدائع في الدراهم الكثيرة زاد ولو قال لفلان على مال عظيم أو كثير لا يصدق في أقل من مأتى درهم في المشهور، وروى عن أبي حنيفة رحمه الله أن عليه عشرة، انتهى، فعلم أنهم فرقوا بين المال الكثير والدراهم الكثيرة فتأمل.