الحي تباعد من الذم ومن رعاها حول الحمى قريبًا منه بحيث إذا نفر أبله قليلاً دخل في الحمى استحق العقاب والندم فكان النبي صلى الله عليه وسلم أثبت للمشتبهات شبهًا بالحلال وشبهًا بالحرام لمكان الاختلاف والاشتباه فيها، فكذلك الجدار الذي حول الحمى فيه شبه بالخارج وشبه بالداخل، وأما الطرف الداخل منه فلا ريب في أنه حمى وإنما الكلام في الطرف الخارجي منه فإن للمرء رعى أبله عليه إلا أن فيه له خطرًا من الدخول في الحمى لقربه منها حينئذ أقرب ما يكون، قوله [وإن حمى الله، إلخ] بين بذلك جل المراد من التشبيه المتقدم أن الذي يجب على المرء التحفظ منه والتباعد هي محارمه ومنهياته ومن ههنا يستنبط قول الفقهاء إذا اجتمع المحرم والمبيح رجح المحرم ثم إن لذرك الحديث ههنا مع مناسبته لجميع الأبواب السابقة وجريه فيها سببًا، وهو الاهتمام بشأن المعاملات لما يعسر على الناس بمقتضى طبائعهم الحريصة الاحتياط فيها.
[باب في آكل الربا]
قوله [آكل الربا وموكله] والمساواة، إنما هو في نفس اللعن وإلا فمراتب اللعن تتفاوت حسب تفاوت مراتب الجناية وظاهر أن جناية الشاهدين أقل من جناية الآكل والموكل، ويدخل في حكم الربا سائر العقود الربوية والبيع الفاسد بأقسامه، ولا يدخل على الحنفية إثباتهم الملك بها فإنهم لم ينكروا الحرمة، قوله [وقول الزور] أراد به خلط الأمر، وذلك ليعم الكذب واليمين الكاذبة وغيرهما، ثم أن ذكر المؤلف قول الزور في الترجمة بعد الكذب لا يستلزم تكرارًا على هذا التفسير وإن أريد به المعنى المشهور وهو الكذب نفسه كان ذكر الكذب والزور على سبيل العطف التفسيري، وإنما أورد الباب ههنا لمسارعة التجار إلى الكذب والتزوير، ثم إن الكذب ليس فيه قبح لذاته (١)، فالكذب الذي فيه إيذاء لمسلم أو أخذ لحقه وأمثال ذلك فهو
(١) هذا مشكل لا سيما لما سيأتي من كلام الشيخ أيضًا أن ما ليس فيه نفع لمسلم فهو أيضًا مكروه فإنه دليل على القبح مطلقًا اللهم إلا إن يقال إن المراد بالقبح الذاتي هو الحرمة الذاتية فهو مكروه مطلقًا لذاته وحرام لعارض، كما هو واجب لعارض.