للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سببيته كترك الرقى، وهذا أدنى مراتب التوكل بل ليس فوقه شيء من التوكل، وبما قررنا ظهر لك أن تداويه صلى الله عليه وسلم لنفسه أوامره لغيره بذلك إنما كان لبيان الجواز.

قوله [فإن الله لم يضع داء إلخ] إلا أن العلم بعين هذا الدواء النافع لهذا المرض لما لم يكن يقينًا (١) آل الأمر إلى غلبة الظن الحاصلة بكثرة التجارب فكانت المعالجة بشيء من الأدوية منافيًا لأعلى مراتب التوكل وإن لم يناف أصل التوكل. قوله [الهرم] المراد به (٢) الموت لأنه علامة له وسبب، له فلا ينافي ما ورد في الروايات في تفسيره أنه الموت، وأيضًا فلا يرد على ذلك أن ضعف من الشيخوخة ممكن الانجبار بما هو معروف في إزالة الضعف وتقوية القوى والأعضاء الرئيسية.

[باب ما جاء لا تكرهوا (٣) مرضاكم على الطعام والشراب] قوله [يطعمهم


(١) ولذا ورد في آخر حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود: علمه من علمه وجهله من جهله، قال الحافظ: أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم، ومما يدخل في قوله من جهله ما وقع لبعض المرضى أنه يتداوى من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه، فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع، والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الداء، فرب مرضين تشابها ويكون أحدهما مركبًا أن لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبًا فيقع الخطاء من ههنا، انتهى.
(٢) قال الحافظ: واستثناء الهرم إما لأنه جعله شبيهًا بالموت، والجامع بينهما نقص الصحة، أو لقربه من الموت وإفضائه إليه، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعًا والتقدير لكن الهرم لا دواء له، انتهى.
(٣) قال الشيخ في إنجاح الحاجة، أي إن لم يأكلوا برغبتهم ولا تقولوا إنه يضعف بعدم الأكل فإنه تعالى يطعمهم أي يرزقهم صبرًا وقوة فإن الصبر والقوة من الله حقيقة لا من الطعام والشراب ولا من جهة الصحة، وقال القاضي: أي يمدهم ويحفظ قواهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب في حفظ الروح وتقويم البدن، كذا في المرقاة، وقال الموفق: ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية وما أجدرها للأطباء، وذلك لأن المريض إذا عاف الطعام والشراب فذلك لاشتغال طبيعته بمقاومة المرض فإعطاء الغذاء في هذه الحال يضر جدًا، انتهى. قلت: ولذا يمنعون عن الغذاء يوم البحران ويوم النوبة أشد المنع، لأن الطبيعة مشتغلة في هذه الأيام في مقابلة المرض خاصة، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>