للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يحتمل الوجهين أيضًا إنكارًا وإقرارًا، أي ما أراه نوراني، وأما الرب تبارك وتعالى فكيف أراه، أو هو نوراني أراه، وجملة الأمر في ذلك أن النزاع لفظي، ومؤدى المذهبين واحد (١)، فمن أثبت أثبت بزيادة في الباصرة من قوة القلب، والنافي إنما نفى بإدراك هذه الأبصار حال كونها على هيئتها، وإرجاع كلمات أصحاب الفرقتين إلى ما قلنا سهل.

[سورة القمر]

قوله [بمكة مرتين] أي فلقتين، وليس المراد (٢) تكرار الشق.


(١) ويقرب منه ما قال الحافظ في الجمع بين المذهبين كما تقدم قريبًا، وبه جمع العيني، وجمع القاري في شرح الشفا بأن من نفى نفى رؤية الذات، ومن أثبت أثبت رؤية الصفات، وقيل في بينهما غير ذلك، ونقدم شيء من الكلام على مسألة الرؤية واختلافهم في ذلك في تفسير سورة الأنعام.
(٢) فقد أخرج البخاري في صحيحه برواية سعيد عن قتادة بلفظ (شقتين) قال الحافظ: بكسر المعجمة أي نصفين، وتقدم في علامات النبوة (من البخاري) من طريق سعيد وشيبان عن قتادة بدون هذا اللفظ، وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه البخاري من حديث سعيد عن قتادة بلفظ: فأراهم انشقاق القمر مرتين، وأخرجه من طريق معمر عن قتادة بمعنى حديث شيبان، وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ (مرتين) أيضًا، وكذلك أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق، وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ (فرقتين)، قال البيهقي: قد حفظه ثلاثة من أصحاب قتادة عنه (مرتين)، قال الحافظ: لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة، ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم، ولم يقع في شتى من طرق حديث ابن مسعود بلفظ (مرتين) وإنما فيه (فرقتين) أو (فلقتين) بفتح الرأي واللام، وكذا في حديث ابن عمر (فلقتين) وفي حديث جبير بن مطعم (فرقتين)، وفي لفظ عنه: (فانشق باثنتين) وفي رواية عن ابن عباس عند أبي نعيم في الدلائل: (فصار قمرين) وفي لفظ (شقتين)، ووقع في نظم السيرة لشيخنا الحافظ أبي الفضل:
وانشق مرتين بالإجماع.=
=ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين، وتكلم ابن القيم على هذه الرواية فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة، والأعيان أخرى. والأول أكثر، ومن الثاني انشق القمر مرتين، وقد خفى على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين، وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط، فإنه لم يقع إلا مرة واحدة، وقد قال العماد بن كثير: في الرواية التي فيها (مرتين) نظر، ولعل قائلها أراد فرقتين، وقال الحافظ: وهذا الذي لا يتجه غيره جمعًا بين الروايات، ثم راجعت نظم شيخًا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ولفظه:
فصار فرقتين فرقة علت ... وفرقة للطور منه نزلت
وذاك مرتين بالإجماع ... والنص والتواتر والسماع
فجمع بين قوله: فرقتين، وبين قوله: مرتين، فيمكن أن يتعلق قوله (بالإجماع) بأصل الانشقاق لا بالتعدد، مع أن في نقل الإجماع في نفس الاشتقاق نظرًا، انتهى. قلت: وتقدم في باب انشقاق القمر من كتاب الفتن ما قال السبكي أنه متواتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>