(٢) اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال أحدها أن المراد أنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل: وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلوًا، ومنه الترنجبين، فكأنه شبه به الكمأة يجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفوًا بغير علاج، والثاني: أن المعنى أنها من المن الذي امتن الله به على عباده عفوًا بغير علاج، قاله: أبو عبيد وجماعة، والثالث وبه جزم الموفق عبد اللطيف البغدادي ومن تبعه فقالوا: إن المن الذي نزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط، بل كان أنواعًا من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفوًا، ومن الطير التي تسقط عليهم بغير اصطياد ومن الطل الذي يسقط على الشجر، إلى آخر ما حكاه عنه الحافظ، وقال ابن القيم: ماؤها شفاء للعين. فيه ثلاثة أقوال أحدها أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين، لا أنه يستعمل وحده، ذكره أبو عبيد: الثاني أنه يستعمل بحتًا بعد شيهًا واستقطار مائها لأن النار تلطفه وتنضجه وتذيب فضلاته ورطوبته المؤذية وتبقي المنافع، الثالث: أن المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر وهو أول قطر ينزل إلى الأرض فتكون الإضافة إضافة اقتران لا إضافة جزء، انتهى. قال القارئ: وفي شرح مسلم للنووي قيل: هو نفس الماء مجردًا وقيل مركبًا وقيل إن كان لتبريد ما في العين من حرارة فمجرد مائها شفاء، وإن كان غير ذلك فمركبة، انتهى، قال الحافظ: حكى إبراهيم بن الحربي عن صالح وعبد الله بن أحمد بن حنبل أنهما اشتكت أعينهما، فأخذا كمأة وعصراها واكتحلا بمائها فهاجت أعينهما رمدتا، وحكى ابن عبد الباقي: أن بعض الناس عصر ماء كمأة فاكتحل به فذهبت عينه، انتهى، وسيأتي عند المصنف عن أبي هريرة أنه كحل به جارية له عمشاء فبرأت كذا في المشكاة، قال القارئ: وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من ذهب بصره فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا وفشفى وعاد إليه بصره، انتهى، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وهو النافع الضار، ولا يبعد أن يكون ذلك لاختلاف الكمأة فإنها أنواع وفي بعضها سم كل بسط في كتب الطب.