النهي مطلق عن قيد القلة والكثرة ثم وصف الماء بكونه راكدًا ولا يصدق الركود على ما أعطى له حكم الجاري إذ لا ركود بعد كونه جاريًا لما بينهما من المنافاة الظاهرة ثم قوله عليه الصلاة والسلام ثم يتوضأ منه، وفي بعضها ثم يغتسل منه يبين أن المراد بذلك الماء ما هو أزيد من القلتين بل فوق القلال فإن الغسل في ماء القلتين أو التوضئ منه من دون أخذ الماء على حدة مستبعدة عادة والنهي أصله التحريم كما أن الأمر أصله الوجوب لا سيما وقد أكد بنون التأكيد وعمم الحكم بذكر الاغتسال من الجنابة إزالة الحدث والخبث، فعلم من مجموع ذلك أن البول في الماء الذي ليس جاريًا ولا في الحكم الجاري محرم كالغسل فيه وإن كان فوق القلتين ويفسد الماء ببوله فيه وإن لم يتغير شيء من أوصافه الثلاثة وهذا لأن تغير هذا المقدار من الماء الذي يغتسل فيه ويتوضأ عادة ببول رجل أو باغتساله فيه مشكل فهذه الرواية ظاهرة على مذهب الإمام فإن المبتلي به يعده نجسًا بعد قليل من الزمان إن كان هذا الماء كثيرًا وإن كان قليلاً لا يبلغ قدر الغدير العظيم فتنجسه عنده ظاهر، وأما مالك والشافعي رحمهما الله تعالى فمحمل الحديث عندهما الكراهة التنهزيهية أو هو محمول على ما إذا كان الماء أقل من القلتين أو يتغير بذلك شيء من أوصافه الثلاثة وأنت تعلم ما فيه، فالأول عدول عن الأصل وهو التحريم من غير ضرورة إليه، والثاني عدول عن الظاهر الذي ينبغي التعويل عليه والله تعالى أعلم.
[باب في ماء البحر آه]
لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لماء (١) البحر أنه نار لما ينشأ منه آثار النار مثل الجرب واليبس وغير ذلك فهم منه بعض أصحاب النبي
(١) فقد أخرج أبو داؤد عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا وأخرج ابن عبد البر عن ابن عمر قال لا تتوضأ بماء البحر لأنه طبق وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن أبي الحسن قال البحر هو طبق جهنم وغير ذلك من الآثار في الباب وهي مما لا يدرك بالقياس فمرفوعة حكمًا.