السواء لكون الواحدة فردًا كالثلاثة غاية الأمر أن الأول: حقيقي، والثاني: حكمي، لأن الفرد الحقيقي وهو الواحد حقيقة، والحكمي وهو الثلاث مجاز وحمل الكلام على الحقيقة أولى وقرينة المجاز فيما يصار إليه نيته فلا مانع من الحمل عليه، وأما حملهما على معناهما فحمل اللفظ على ما لم يحتمله يعني أن تأثير النية إنما هو فيما هو محتمل اللفظ وههنا ليس كذلك فإن اللفظ الواحد لا يحتمل الاثنين فلم تصح منه الإرادة، قوله [وقال الشافعي إن نوى واحدة، إلخ] إنما كان الطلاق عنده رجعيًا لما أن البوائن عنده رواجع وهذا بحث أثبت في موضعه فكان الخلاف معه في موضعين في صحة الرجوع وصحة نية الثنتين فمعناهما وأثبتهما الشافعي -رحمه الله تعالى-.
[باب في أمرك بيدك]
قوله [ثم قال اللهم غفرًا (١) إلا ما حدثني، إلخ] استغفر الله عما بادر إليه لسانه من نفي الذاهب إلى الثلاث إلا الحسن، ولما كان قتادة حافظًا متقنًا لم يضر إنكار كثير في صحته، قوله [قال ثلاث] الظاهر أن هذا مرفوع قاله النبي صلى الله عليه وسلم في جواب السائل عمن قال لامرأته أمرك بيدك ويمكن أن يكون اجتهادًا من أبي هريرة لما أنكروا من رفعه كما سيجيء فإنه لما رأى أن أمرك بيدك تفويض إليها أمر نفسها، فكما أن لها أن تطلق نفسها بواحدة فلها أن تطلقها بثلاث حكم بذلك، قوله [القضاء ما قضت] أي لها ما شاءت من الرجعى وغيره واحد وغيره، وذهب سفيان وأهل الكوفة، إلخ، يعني أنهم ذهبوا إلى أن الأمر منوط على رأيها بشرط الموافقة لرأي الزوج، وإن لم يكن له نية أو نوى واحدة فهي واحدة، ولا يخفى أن كل ما ذكر من مذاهب الصحابة في أمرك بيدك يمكن إرجاعها إلى مذهب الإمام من غير ارتكاب تكلف، وكذلك لا ينافي الرواية مذهبه بل هي إحدى شقوقه.
(١) بفتح الغين المعجمة منصوب على المصدرية بمعنى المغفرة أي اغفر لي مغفرة أو أسألك مغفرة.