للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو أعم بحسب المورد من الشرك والعقوق، فكان فيه مضرة جزئية تزيد بها عليهما والشهادة المذكورة أخص من قول الزور، ثم تمنيهم سكوته صلى الله عليه وسلم إنما كان لغاية مودتهم إياه، فكانوا يحبون التخفيف (١) عنه ما أمكن، فإنما قصدوا بذلك أنا فهمنا مراده حق الفهم فلا حاجة له إلى تحمل المشقة بعد ذلك.

قوله [وهل يشتم الرجل والديه] إنما سألوا عن ذلك علمًا منهم أن مثل ذلك لا يمكن أن يقع (٢) عادة، والمنع إنما يفيد عما يقع عادة، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحببهم بأن يدفع عنهم استبعاده فيقول: إنه سيقع بعد زمان بل غير الجواب توسيعًا للدائرة فقال: إن سبب الشيء له حكمه، فلما كان التسبب في ذلك من الكبائر علم حال الارتكاب بالأولى، وكان التسبب شائعًا فيهم فكانوا يلعنون ويشتمون آباء الرجال فيجازون عليه، قوله [أن أبر البر إلخ] فإن (٣) هذا دليل على كثرة


(١) قال الحافظ: أي تمنينا أنه يسكت إشفاقًا عليه لما رأوا من انزعاجه في ذلك، وقال ابن دقيق العيد: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشهادة الزور يحتمل أن يكون لأنها أسهل وقوعًا على الناس والتهاون بها أكثر ومفسدتها أيسر وقوعًا، لأن الشرك ينبو عنه المسلم، والعقوق ينبو عنه الطبع، والقول الزور فالحوامل عليه كثيرة، إلى آخر ما في الفتح.
(٢) قال الحافظ: هو استبعاد من السائل لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر لكن قد يقع منه التسبب فيه وهو مما يمكن وقوعه كثيرًا، قال ابن بطال: هذا الحديث أصل في سد الذرائع ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرم.
(٣) قال النووي: فيه فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم بإكرامهم وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه، وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة، وقد وردت الأحاديث في إكرامه صلى الله عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله عنها، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>