للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [من أبر] فعل متكلم، ووجه ذكر الأم ترجيحها على الأب في أحكام (١) البر والصلة، وأما الاطاعة ففيها تقديم للأب كالتعظيم، ثم تكرار (٢) الجواب مشعر بكثرة البون بين الأبوين في الانفاق. قوله [أي الأعمال أفضل] اختلفت الأجوبة عن ذلك باختلاف السائل والزمان والمكان، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الإيمان ههنا مع ماله من فضل على سائر الأعمال مسلم اتكالاً على فهم الذي سأله واعتمادًا على علمه بإعلامه صلى الله عليه وسلم، أو باجتهاد منه أن الإيمان ملاك الأمر ورأس الطاعات، أو لأن السائل سائل عن أفعال الجوارح كما هو الغالب في استعمال لفظ العمل، وليس الإيمان داخلاً فيها.

قوله [الوالد أوسط إلخ] ثم إن حال الأم معلوم بذلك مقايسة فصح الاستدلال. قوله [وكان متكئًا فجلس] وهذا للاهتمام بشأنه كالتكرار، وإنما أكده دفعًا لما يتوهم من تعقيب ذكره أن أمره خفيف، ولما كثر في النفوس من قلة المبالاة به بخلاف أخويه المتقدمين ولأن ضرره متعد دون ضرر الشرك، وكذلك


(١) ففي العالمكيرية: إذا تعذر عليه جمع مراعاة حق الوالدين بأن يتأذى أحدهما بمراعاة الآخر يرجح حق الأب فيما يرجع إلى التعظيم والاحترام وحق الأم فيما يرجع إلى الخدمة والأنعام، وعن علاء الأئمة الحمامي قال مشائخنا: الأب يقدم على الأم في الاحترام والأم في الخدمة حتى لو دخلا عليه في البيت يقوم للأب، ولو سألا عنه ماء ولم يأخذ من يده أحدهما فيبدأ بالأم كذا في القنية انتهى، قلت: وفيه أن البداية من باب التكريم فتأمل.
(٢) قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}، فسوى بينهما في الوصية وخص الأم بالأمور الثلاثة، كذا في الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>