بالبال -والله أعلم بحقيقة الحال- أن فهم المعنى العام من كلمة (تخفوه) ليس ببعيد، فإن كل أمر وقع في قلب رجل فهو يصدق عليه أنه مما أخفاه على التبادر، وإن كان النظر إلى نسبة الفعل إليه ينفي هذا العموم، ثم إيراد الخدشة بأنه عليه السلام كيف لم يبين لهم مراد الآية حتى يرجعوا عما هم عليه، فلعله صلى الله عليه وسلم مع علمه بمعنى الآية الذي هو مراده تعالى إنما أرشدهم التسليم (١) والسمع والطاعة، تمرينًا لأصحابه على الانقياد، وتدريبًا لهم بامتثال أمر رب العباد حتى يكونوا منقادين لما كلفوا وإن كان من قبيل ما لم يطيقوه،
(١) كما هو ظاهر حديث ابن عباس عند المصنف، وأوضح منه ما في الدر برواية أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة، قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وإن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ} الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله= =صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب، فقالوا: يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم {سَمِعْنَا وعَصَيْنَا} بل قولوا: سمعنا وأطعنا، الحديث، وبرواية الفريابي وعبد بن حميد وغيرهما، عن محمد بن كعب القرظي، قال: ما بعث الله من نبي، ولا أرسل من رسول أنزل عليهم الكتاب إلا أنزل عليه هذه الآية {وإن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ} الآية فكانت الأمم تأبى على أنبيائها ورسلها ويقولون: نؤاخذ بما يحدث به أنفسنا ولم تعمله جوارحنا؟ فيكفرون ويضلون، فلما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم قبلهم، فقالوا: يا رسول الله أنؤاخذ بما تحدث به أنفسنا، ولم تعمله جوارحنا؟ قال: نعم! فاسمعوا وأطيعوا واطلبوا إلى ربكم، الحديث.