وشموله لمواقع البر وأفراده ظاهر، وقوله [والإثم ما حاك إلخ] فظاهر (١) أن المؤمن بحسب إيمانه يستحي عن إتيان الذنب ويحيك ذلك في قلبه، وأما إذا لم يبال بالآثام والذنوب فإما لعدم علمه بكونه ذنبًا، وحينئذ فليس ذلك بمؤاخذ عليه، أو لنقصان إيمانه فكان المراد بقوله: ما حاك في قلبك أن يحيك في قلب المؤمن، فإن المخاطب بهذا الخطاب إنما كان صحابيًا جليل القدر كامل الإيمان، ولا معتبر بقلب من لم يكمل إيمانه.
(١) وتوضيح ذلك أن للحديث محملين جمعهما الشيخ في كلامه، الأول أن المراد منه المؤمن الكامل المتنور بنور الفراسة كما هو يقتضي المحل الوارد فيه الحديث، فإنه صحابي جليل القدر، فالمعنى الإثم ما تردد في الصدر بأن لم تشرح له النفس، وحل في القلب منه الشك ولم يطمئن إليه، قال التوربشتي: يريد أن الإثم ما كان في القلب منه شيء فلا ينشرح له الصدر، والأقرب أن ذلك أمر يتهيأ لمن شرح صدره للإسلام فهو على نور من ربه، دون عموم المؤمنين، كذا في المرقاة، قلت: وهو الذي ورد في حقه برواية أبي هريرة مرفوعًا عند البخاري: لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، الحديث. فالرجل الذي يكون الله عز اسمه عونه وسمعه وبصره فلابد أن يحيك في صدره ما لا يرضى منه الرب، ويكون الحديث في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: استفت قلبك، وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، كما في المقاصد الحسنة برواية الترمذي وغيره، والثاني أن المراد منه المؤمن مطلقًا وإن لم يبلغ إلى الدرجة العليا، فالمعنى أن مقتضى الإيمان أن يحيك في صدره الذنب، وإن لم يحك في صدره فهو نقص في إيمانه إلا يكون سببه الجهل، فيكون الحديث في معنى قوله صلى الله عليه وسلم، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه.