(٢) والمسألة خلافية شهيرة، أنكرت عائشة وابن مسعود الرؤية، وأثبتها أنس والحسن وعكرمة، وروى عن ابن عباس جعل بصره في فؤاده فرأى وبه بفؤاده، هكذا في الجمل. (٣) قال الحافظ في الفتح: جوز أهل التعبير رؤية الباري عز اسمه في المنام مطلقًا، ولم يجروا فيها الخلاف في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاب بعضهم عن ذلك بأمور قابلة للتأويل في جميع وجوهها، فتارة يعبر بالسلطان، وتارة بالوالد، وتارة بالسيد، وتارة بالرئيس في أي فن كان، فلما كان الوقوف على حقيقة ذاته ممتنعًا وجميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق والكذب كانت رؤياه تحتاج إلى تعبير دائمًا بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رئى على صفته المتفق عليها، وهو لا يجوز عليه الكذب كانت في هذه الحالة حقًا محضًا لا يحتاج إلى تعبير، وقال الغزالي: من يرى الله سبحانه وتعالى في المنام، فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره، ويكون ذلك المثال حقًا في كونه واسطة التعريف فيقول الرائي: رأيت الله في المنام لا يعني أن رأيت ذات الله تعالى كما يقول في حق غيره، وقال أبو القاسم القشيري ما حاصله أن رؤياه على غير صفته لا يستلزم أن لا يكون هو، فإنه لو رأى الله على وصف يتعالى عنه، وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك لا يقدح في رؤيته بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل، كما قال الواسطي: من رأى ربه على صورة شيخ كان إشارة إلى وقار الرأي، انتهى. قال القاضي: اتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها، وإن رآه الإنسان على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجسام لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالى التجسم، ولا اختلاف الأحوال بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات، قاله النووي.