للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبيب لمحبته إياك واللبيب للبه لا يقول إلا خيرًا فيسرك، وإن كان غير ذلك عبر بما يضرك فيسوءك

قوله [وهي على رجل طائر] قال الأستاذ أدام الله علينا ظلال جلاله وأفاض علينا بركات أفضاله: لا يناسب ههنا تقرير الشراح وأصحاب الحواشي (١) لكثرة ما يرد عليه من الشبهات والغواشي، ولعل مراده صلى الله عليه وسلم بكونه على رجل طائر أن صاحبه لا يكون منه استقرار على أمر ما محصل، وإنما يتخلج في نفسه تعبير لرؤياه، ثم يبدو له ثان وثالث، فيأخذ في تغليظ ما فهم أولاً وهكذا، فكأن رؤياه على رجل طائر فلا يستقر على مقر، حتى إذا عبره أول المعبرين رسخ قوله في قلبه لعدم المزاحم كما يظهر بالتأمل في قاعدة أصحاب المعاني من أن خالي الذهن عن الحكم والتردد لا يحتاج في الإخبار له إلى توكيد، وهذا هو المعبر عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: سقطت أي استقرت على مستقر، وقرت في مقر، حتى أن إزالته عن القلب لا يمكن إلا بعد معالجة زائدة. قوله [وكان يقول] هذا يحتمل (٢) كونه من


(١) ففي الحاشية عن المجمع: على رجل طائر أي على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر، وإنه هو الذي قسمه الله لصاحبها، من قولهم اقتسموا دارًا فطار سهم فلان في ناحيتها، أي وقع سهمه وخرج، وكل حركة من كلمة أو شيء تجري لك هو طائر، يعني أن الرؤيا هي التي يعبرها المعبر الأول فكأنها كانت على رجل طائر فسقطت حين عبرت، كما يسقط ما يكون على رجل طائر بأدنى حركة، انتهى. وفي البذل: قال الخطابي: هذا مثل ومعناه أنه لا يستقر قرارها ما لم يعبر، انتهى.
(٢) رويت الرواية بألفاظ مختلفة في كتب الروايات، ولفظ البخاري في ((باب القيد في المنام)) بسنده إلى عوف عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب، قال محمد: وأنا أقول هذه، قال: وكان يقال الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله، فمن رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل، قال: وكان يكره الغل في النوم وكان يعجبهم القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين، ورواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأدرجه بعضهم كله في الحديث، وحديث عوف أبين، وقال يونس: لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى. وبسط شراح البخاري سيما الحافظان ابن حجر والعيني في شرح كلام البخاري، وبسطًا في ذكر من وقف ووصل أجزاء الرواية، والاحتمالات الثلاثة التي ذكرها الشيخ حكاها الحافظ ابن حجر عن الطيبي وغيره، ثم بسط طرق الرواية وذكر في جملتها حديث الترمذي هذا، وقال: هذا ظاهر في أن الأحاديث كلها مرفوعة، وقال قال القرطبي: هذا الحديث وإن اختلف في رفعه ووقفه فإن معناه صحيح لأن القيد في الرجلين تثبيت للمقيد في مكانه، فإذا رآه من هو على حالة كان ذلك دليلاً على ثبوته على تلك الحالة، وأما كراهة الغل فلأن محله الأعناق نكالاً وعقوبة وقهرًا وإذلالاً، وقد يسحب على وجهه ويخر على قفاه فهو مذموم شرعًا وعادة، انتهى. فقد ورد في الآيات الكثيرة الأغلال في أعناق الكفار، قال القارئ: وفيه إيماء أيضًا على اختيار الخلوة وترك الجلوة كما هو شأن أرباب العزلة من ترك الخروج بالأقدام، وكره الغل لأنه صفة أهل النار، وأيضًا الرقبة مستثقلة بالذمة من حقوق الله وغيره، فهو تقييد للعنق بتحمل الدين أو المظالم، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>