التأويل المذكور أنهما قبضًا على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهما الجارحة والكاسبة، فكأنهما منعاه عن إشاعة دينه، ونشر نبوته، وطيرانهما بالنفخ هلاكهما من دون افتقار إلى فضل علاج.
قوله [أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا] قد تفرقوا (١) في تبيين الخطأ على
(١) اختلفوا في موضع الخطأ على أقوال ذكر الشيخ منها ثلاثة لشهرتها وكثرة قائليها، فقد قال الحافظ: قال الملهب موضع الخطأ قوله: ثم وصل له، لأن في الحديث: ثم وصل، ولم يذكر ((له)) وتعقبه الحافظ: بأن ((له)) ثابت في الروايات، ثم قال: والعجب من القاضي عياض فإنه قال في الإكمال: قيل خطؤه في قوله: فيوصل له، وليس في الرؤيا إلا أنه يوصل، وليس فيها ((له))، ولذلك لم يوصل لعثمان، وإنما وصلت الخلافة لعلي، وموضع التعجب سكوته عن تعقب هذا الكلام مع كون هذه اللفظة ثابتة في صحيح مسلم الذي يتكلم عليه. ثم قال: وقيل الخطأ ههنا بمعنى الترك. أي تركت بعضًا لم تفسره، وقال الإسماعيلي: قيل السبب في قوله أخطأت بعضًا أن الرجل لما قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه كان النبي صلى الله عليه وسلم أحق بتعبيرها من غيره، فلما طلب تعبيرها كان ذلك خطأ، والمراد بقوله قيل ابن قتيبة فإنه القائل بذلك، ووافقه على ذلك جماعة، وتعقبه النووي تبعًا لغيره فقال: هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له ذلك، قال الحافظ: مراد ابن قتيبة أنه لم يأذن له ابتداء، بل بادر هو بالسؤال، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر لأنه خلاف ما يتبادر من جواب قوله: هل أصبت؟ فإن الظاهر أنه أراد الإصابة والخطأ في التعبير، ومن ثم قال ابن التين ومن بعده: الأشبه بظاهر الحديث أن الخطأ في تأويل الرؤيا، قال الحافظ: ويؤيده تبويب البخاري حيث قال: من لم يرد الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب، وقال ابن هبيرة: إنما كان الخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان الخطأ في التعبير لم يقره عليه، وقال ابن التين: قيل أخطأ لكون المذكور في للرؤيا شيئين العسل، والسمن، ففسرهما بشيء واحد، وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة، ذكر لك عن الطحاوي وحكاه الخطيب عن أهل العلم بالتعبير، وجزم به ابن العربي فقال: قالوا ههنا وهم أبو بكر فإنه جعل السمن والعسل معنى واحدًا، وهما معنيان القرآن والسنة، قال: ويحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل، ويحتمل أن يكونا الفهم والحفظ، وقيل: المراد بقوله اخطأت وأصبت أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن، والظن يخطئ ويصيب، وقيل: الخطأ في خلع عثمان لأنه في المنام رأى أنه آخذ بالسبب فانقطع به، وذلك يدل على انخلاعه بنفسه، وتفسير أبي بكر بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل له، وعثمان قد قتل قهرًا، ولم يخلع نفسه، فالصواب أن يحمل وصله على ولاية غيره، وقد اختلف في تفسير القطع، فقيل: معناه القتل. وأنكره ابن العربي إذ لو كان كذلك لشاكه عمر، لكن قتل عمر لم يكن بسبب العلو، بل بجهة عداوة مخصوصة، وقتل عثمان كان من الجهة التي علا بها، وهي الولاية فلذلك جعل قتله قطعًا، وقال ابن العربي: أخبرني أبي أنه قيل: وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن الرسول هو الظلة، والسمن والعسل القرآن والسنة، وقيل: وجه الخطأ أنه جعل السبب الحق وعثمان لم ينقطع به الحق، وإنما الحق أن الولاية كانت بالنبوة، ثم صارت بالخلافة فاتصلت لأبي بكر وعمر، ثم انقطعت بعثمان لما كان ظن به، ثم صحت براءته فأعلاه الله ولحق بأصحابه، قال: وسألت بعض الشيوخ العارفين عن تعيين الوجه الذي أخطأ فيه أبو بكر فقال: من الذي يعرفه؟ ولئن كان تقدم أبي بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم للتعبير خطأ، فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين خطأه أعظم وأعظم، فالذي يقتضيه الدين والحزم الكف عن ذلك، قلت: وهذا الأخير هو الوجه عندي، قال الحافظ: وجميع ما تقدم من لفظ الخطأ والتوهم وغيرهما إنما أحكيه عن قائليه، ولست راضيًا بإطلاقه في حق الصديق، وقال الكرماني: إنما أقدموا على تبيين ذلك مع كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينه لأنه كان يلزم من تبيينه مفسدة إذ ذاك فزالت بعده، مع أن جميع ما ذكروه إنما هو بطريق الاحتمال، ولا جزم في شيء من ذلك، انتهى ما في الفتح.