للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعبير السمن والعسل بالقرآن، وحقهما أن يعبرا بالكتاب والسنة، ففيه أن الكتاب والسنة كأنهما شيء واحد فإن الكتاب تبيان لكل شيء، وإنما السنة تظهره، أو يقال: إن الكتاب والسنة كلاهما وحي، وإنما التفاوت في التلاوة، فهذا لا يستلزم التخطية، وأما قولهم: إن الخطاء إقدامه للتعبير فليس بشيء، لأنه بعد الإجازة لا يسمى خطأ، وأما قولهم: إن الخطأ تركه تعيين الرجال فهذا لا يسمى خطأ، وإنما هو تقصير في بيان المرام، وإجمال في سوق الكلام، بل الأوجه في توجيه الخطأ أن يقال: إن قول الرائي: ثم أخذ به رجل فقطع به، ثم وصل له فعلاً به، كان محتاجًا إلى تعبير، ولم يكن على ظاهره من أن الرجل المقطوع له هو الذي يوصل له الحبل، بل الموصول له إنما هو نائبه وخليفته، وعبر عنه في منامه عنه لأن فعله فعله، وأما أبو بكر فعبره على ظاهره.

قوله [لا تقسم] لأن الاستحسان (١) في بره، وهذا ينافي المصالح


(١) يعني مقتضى الاستحسان بر قسمه وفيه مفسدة، قال النووي: هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الأبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالأبرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبرر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة، ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب في عثمان، وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه، فكره ذكرها مخافة من شيوعها، أو أن المفسدة لو أنكر عليه مبادرته ووبخه بين الناس، أو أنه أخطأ في ترك تعيين الرجال الذين يأخذون بالسبب بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في بيانه صلى الله عليه وسلم أعيانهم مفسدة، انتهى. قال الخطابي: فيه مستدل لمن ذهب إلى أن القسم لا يكون يمينًا بمجرده حتى يقول: أقسمت بالله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإبرار المقسم، فلو كان يمينًا لأشبه أن يبره، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي، وقد يستدل به من يرى القسم يمينًا بوجه آخر، فيقول: لولا أنه يمين ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تقسم، وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة وأصحابه، انتهى، هكذا في البذل. قلت: لفظ القسم يمين عندنا الحنفية كما صرح به في الفروع، وما حكى الخطابي من موافقة مالك الشافعي يأبى عنه كلام ابن رشد إذ قال في البداية: اختلفوا في قول القائل أقسم أو أشهد إن كان كذا وكذا هل هو يمين أم لا، على ثلاثة أقوال، فقيل: ليس بيمين وهو أحد قولي الشافعي، وقيل: يمين ضد القول الأول، وبه قال أبو حنيفة، وقيل: إن أراد الله بها فهو يمين وإلا لا، وهو مذهب مالك، انتهى مختصرًا. فعلم أن في مذهب مالك تفصيلاً، وما ذكر الخطابي من الاستدلال بالحديث فلا يصح، فقد قال القاضي: في الحديث أن من قال: أقسم لا كفارة عليه، لأن أبا بكر لم يزد على قوله أقسم، قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي عجب، فإن الذي في جميع نسخ صحيح مسلم أنه قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني، وهذا صريح يمين، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>