للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكرار الكون فيه كتكراره (١) في قول المتنبي:

لو كن يوم جرين كن كصبرنا ... يوم الرحيل لكن غير سجام

قوله [ولو لم تذنبوا إلخ] أفاد هذه الجملة أن طريان أمثال هذه الغفلات مما يعد (٢) ذنبًا ويجب الاستغفار منه، وليس لبني آدم بد منه، ولو فرض ارتفاعها عنهم لخلق الله قومًا آخرين مذنبين ليظهر صفة غفرانه. قوله [يا رسول الله مم خلق الخلق] لما رأوا تلونهم وتبدلهم وقتًا فوقتًا كما بينوه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، سألوه عن مادتهم التي خلقوا منها، ليعلموا بذلك أن هذا التلون في الإنسان هل هو مادي لهم وطبيعي أم طارئ، إلا أنهم عموا السؤال فسألوا مادة الخلق أجمع، وأنت تعلم ما في الماء (٣) من سرعة قبوله الأشكال وتركه لها، ويمكن أيضًا أن يكون سؤالهم هذا وقع في محل آخر. قوله [ثم قال: ثلاث لا يرد دعوتهم] فعلم قبولهم واستحقاقهم الجنة، فوجب على من أحب دخولها إحراز هذه الفضائل. قوله [يرفعها فوق الغمام] كناية (٤) عن سرعة القبول فإن الغمام


(١) ويحتمل عندي أن يكون «كنتم» بمعنى بقيتم ودمتم، والحديث بمعنى ما تقدم من حديث حنظلة بلفظ: لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة، ولفظ مسلم من حديث حنظلة: لو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة.
(٢) أي في حق السائلين وهم الصحابة الكرام والنجباء العظام، وإن لم تكن ذنبًا في حق غيرهم، ويمكن أن يكون غرض الكلام ترقيًا مما سألوه، يعني هذه الغفلات ليست بذنوب، وصفة الغفارية تقتضي سبق الذنوب أيضًا فضلاً عن الغفلات.
(٣) قال القاري: قيل أي من النطفة، والظاهر أنه اقتباس من قوله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وذلك لأن الماء أعظم مواده، أو فرط احتياجه إليه، وانتفاعه بعينه، انتهى.
(٤) وعلى هذا فرفعه فوق الغمام يراد به رفع الدعاء بوضعه على الغمام والمشهور عند الشراح في معناه أنه يتجاوز به عن الغمام، والأوجه ما أفاده الشيخ، لأن التجاوز بالغمام لا تخصيص لها لدعوة المظلوم، بل يعم الكل، فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>