(٢) أشكل على الحديث بأن الموت العرض والعرض لا ينقلب جسمًا فكيف يذبح؟ فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته، وتأوله آخرون بوجوه بسطها الحافظ في الفتح، وأنت خبير بأن لا حاجة إلى التوجيه بعد ثبوتها في روايتها عديدة، وإن لم نعرف كيفيتها، على أنه عز اسمه قادر على تحويل الأعراض إلى الأجسام، وقد ثبت بروايات كثيرة أن الأعمال تمثل في صور تناسبها، ويشكل على أحاديث وضع القدم وامتلاء جهنم منه ما في الآيات من امتلائها بإبليس ومن تبعه، ويمكن الجواب عنه بوجوه تعرف من المراد بالقدم كما بسطها أصحاب المطولات من أن المراد بها الأمكنة، أو مخلوق خاص، أو أحجار تلقى فيها، وغير ذلك، وهذا كله على رأي الجمهور من أن قول جهنم: هل من مزيد سؤال، وقيل: هو استفهام إنكار، أي لا محل للمزيد. فلا إشكال. وقال الرازي: قوله هل من مزيد فيه وجهان: أحدهما أنه لاستكثارها الداخلين كما أن من يضرب عبده ضربًا مبرحًا أو يشتمه شتمًا قبيحًا فاحشًا يقول المضروب: هل بقى شيء آخر، ويدل عليه قوله تعالى {لَأَمْلَأَنَّ}؟ نقول: الجواب عنه من وجوه: أحدها أن هذا الكلام ربما يقع قبل إدخال الكل، وفيه لطيفة وهي أن جهنم تتغيظ على الكفار فتطلبهم، ثم يبقى فيها موضع لعصاة المؤمنين فتطلب جهنم امتلاءها لظنها بقاء أحد من الكفار خارجًا، فيدخل العاصي من المؤمنين، فيرد إيمانه حرارتها ويسكن إيقانه غيظها فتسكن، وعلى هذا يحمل ما ورد في بعض الأخبار أن جهنم تطلب الزيادة حتى يضع الجبار قدمه، والمؤمن جبار متكبر على ما سوى الله تعالى دليل مواضع لله، الثاني أن تكون جهنم تطلب أولاً سعة في نفسها، ثم مزيدًا في الداخلين لظنها بقاء أحد من الكفار، الثالث أن الملء له درجات فإن الكيل إذا ملئ من غير كبس صح أن يقال ملئ وامتلأ، فإذا كبس يسع، ولا ينافي كونه ملآن أو لا، فكذلك في جهنم ملأها الله ثم تطلب زيادة تضييقًا للمكان عليهم وزيادة في التعذيب، انتهى.