(٢) هذا هو الصحيح المشهور في معناه عند عامة الشراح، قال القارئ: لا تكاد تجد فيها راحلة، أي ناقة شابة قوية مرضاة تصلح للركوب، فكذلك لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة وحمل المودة وركوب المحبة، فيعاون صاحبه ويلين له جانبه، وقال الخطابي: معناه أن الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف، ولا لرفيع على وضيع، كابل المائة لا يكون فيها راحلة، قال الطبي: على القول الأول (لا تجد فيها راحلة) صفة لا بل، والتشبيه مركب تمثيلي، وعلى الثاني هو وجه الشبه وبيان لمناسبة الناس للإبل، قال القارئ: ولا يخفى ظهور المعنى الأول، وذكر المائة للتكثير لا للتحديد، فإن وجود العالم العامل المخلص من قبيل الكيمياء أو من باب تسمية العنقاء، قلت: ما حكى القارئ عن الخطابي لم يجزم الخطابي بذلك بل ذكره قولاً كما حكى عنه الحافظ إذ قال: قال الخطابي: تأولوا هذا الحديث على وجهين: أحدهما أن الناس في أحكام الدين سواء كما تقدم، والثاني أن أكثر الناس أهل نقص، وأما أهل الفضل فعددهم قليل جدًا، فهم بمنزلة الراحلة، قال الحافظ: وأورد البيهقي هذا الحديث في كتاب القضاء في تسوية القاضي بين الخصمين أخذًا بالتأويل الأول، ونقل عن ابن قتيبة في معنى الحديث أن الناس في النسب كالإبل المائة التي لا راحلة فيها فهي مستوية، وقال الأزهري: الراحلة عند العرب الذكر النجيب والأنثى النجيبة والهاء فيها للمبالغة، قال: وقول ابن قتيبة غلط، والمعنى أن الزاهد في الدنيا الكامل فيه الراغب في الآخرة قليل، قال النووي: هذا أجود، وأجود منهما قول الآخرين أن المرضى الأحوال من الناس الكامل الأوصاف قليل، قال الحافظ: والعموم أولى، وقال القرطبي: الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل أثقال الناس والحمالات عنهم، ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة، وأشار ابن بطال إلى أن المراد بالناس في الحديث من يأتي بعد القرون الثلاثة، انتهى، قلت: وقد عرفت أن كلام الشيخ يعم هذه الأقاويل أكثرها بل كلها ما خلا القولين الذين مؤداهما التسوية.