للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما أراد أن يتم الإسناد ويذكر المتن كملاً فوصل قوله [عن سالم] بقوله السابق على قوله بهذا الإسناد عن الزهري، يعني أن رواية سعيد أيضًا إنما هي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر كما كانت رواية الحسن كذلك، إلا أن الترمذي اشتغل ببيان الفرق بين الروايتين قبل أن يذكر الإسناد بتمامه، ثم بعد بيان الفرق أكمل الإسناد وذكر المتن ليظهر بذلك أي بذكر المتن فرق آخر بين الروايتين، وهو أن المذكور في الثانية على الشك بين قوله راحلة وإلا راحلة.

قوله [إنما مثلي ومثل أمتي إلخ] هذا الحديث واجب المراجعة إلى الأستاذ أدام الله علوه ومجده، وأفاض على العالمين بره ورفده، فإنه أدام الله ظلال جلاله وأدار علينا كؤوس نواله قرره على الذي لم أفهمه بعد، ثم تبين (١) بعد


(١) كان هذا على هامش الأصل فأدرجته في المتن، واختلفت الشراح في معنى التشبيه، والأجود ما أفاده الشيخ إذ المناسبة فيه تامة، وحكى القارئ هذا المعنى بالبسط فقال: شبه إظهاره بمحارم الله ونواهيه ببياناته الشافعية الكافية من الكتاب والسنة باستيفاد الرجل النار، وشبه فشو ذلك الكشف في مشارق الأرض ومغاربها بإضاءة تلك النار ما حول المستوقد، وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان والكشف وتعديهم حدود الله عز اسمه وحرصهم على اللذات، ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بأخذ حجزهم بالفراش التي يتقحمن في النار ويغلبن المستوقد، وكما أن غرض المستوقد هو انتفاع الخلق به من الاهتداء والاستدفاء، وغير ذلك، والفراش لجهلها جعلته سببًا لهلاكها، كذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء تلك الأمة واحتماءها عما هو سبب هلاكهم، وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها موجبة لترديهم، وفي قوله (آخذ بحجزكم) استعارة، مثلت حاله في منع الأمة عن الهلاك بحال رجل آخذ بحجزة صاحبه الذي يهوى في قعر بئر مردية، انتهى. وقال الحافظ قال النووي: مقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه المخالفين له بالفراش، وتساقطهم في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا، مع حرصهم على الوقوع في ذلك ومنعه إياهم، والجامع بينهما اتباع الهوى وضعف التمييز، وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه، وقال ابن العربي: هذا مثل كثير المعاني والمقصود أن الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى النار على قصد الهلكة، وإنما يأتونه على قصد المنفعة، واتباع الشهوة، كما أن الفراش يقتحم النار لا ليهلك فيها بل لما يعجبه من الضياء، وقد قيل: إنها لا تبصر بحال وهو بعيد، وإنما قيل: إنها تكون في ظلمة فإذا رأت الضياء اعتقدت أنه كوة يظهر منها النور، فتقصده لأجل ذلك فتحترق وهي لا تشعر، وقيل: إن ذلك لضعف بصرها، فتظن أنها في بيت مظلم وأن السراج مثلاً كوة فترمي بنفسها إليه، وهي من شدة طيرانها تجاوزه، فتقع في الظلمة فترجع إلى أن تحترق، وقيل: إنها تتضرر بشدة النور، فتقصد إطفاءه فلشدة جهلها تورط نفسها فيما لا قدرة لها عليه، ذكر مغلطاي أنه سمع بعض مشايخ الطب بقوله. وقال الغزالي: التمثيل وقع على صورة الاكباب على الشهوات من الإنسان بإكباب الفراش على التهافت في النار، ولكن جهل الآدمي أشد من جهل الفراش لأنها باغترارها بظواهر الوضوء إذا احترقت انتهى عذابها في الحال، والآدمي يبقى في النار مدة طويلة أو أبدًا، والله المستعان، انتهى. وقال أيضًا في موضع آخر: وحاصل التمثيل أنه شبه تهافت أصحاب الشهوات في المعاصي التي تكون سببًا في الوقوع في النار بتهافت الفراش بالوقوع في النار اتباعًا لشهواتها، وشبه ذبه العصاة عن المعاصي بما حذرهم به وأنذرهم بذب صاحب النار الفراش عنها، وقال عياض: شبه تساقط أهل المعاصي في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>