للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الفضل الجزئي على نبينا -صلى الله عليه وسلم- لغيره لا ينكر، أفتراك تنكر فضل يوسف عليه -صلى الله عليه وسلم- في كون أربعة من آبائه أنبياء، وفي حسن صورته الظاهرة (١)، فأي استحالة في لزوم فضله


(١) لعل الشيخ أشار بالظاهرة إلى ما هو المعروف من أن حسنة -صلى الله عليه وسلم- كان مستوراً عن أعين الناس، فقد ذكر شيخ مشائخنا الشاه ولى الله الدهلوى في رسالته الدر الثمين أخبرني سيد الوالد قال: بلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أنا أملح وأخي يوسف أصبح، فتحيرت في معناه لأن الملاحة توجب قلق العشاق أكثر من الصباحة، وقد روى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام أن النساء قطعن أيديهن حين رأينه، وأن الناس ماتوا عند رؤيته، ولم ير وعن نبينا -صلى الله عليه وسلم- من هذا الباب شيء، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فسألته عن ذلك، فقال: جمالي مستور عن أعين الناس غيرة من الله عز وجل، ولو ظهر لفعل الناس أكثر مما فعلوا حين رأوا يوسف عليه السلام، انتهى. قال المناوي تحت قول عمر: ما رأيت رجلا أحسن من جرير إلا ما بلغنا من صورة يوسف عليه السلام، فقال: ولما كان قد استقر في الأذهان أن صورة المصطفي أجل من كل مخلوق، حتى من صورة يوسف، لم يبال عمر بإفهام عبارته أن صورة جرير أحسن من صورته، أنتهى. وفي جمع الوسائل قال بعض المحققين: إن جمال نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان في غاية الكمال، وإن من جملة صفائه وكثرة ضيائه على ما روى أن صورته كان يقع نورها على الجدار بحيث يصير كالمرآة يحكي ما قابله من مرور المار، لكن الله ستر عن أصحابه كثيراً من ذلك الجمال الزاهر، إذ لو برز إليهم لصعب النظر إليه عليهم، وأما ما ورد من أن يوسف عليه السلام أعطى شطر الحسن، فقيل: شطر حسن أهل زمانه، أو شطر حسنه عليه السلام على أن حسن السيرة أفضل من حسن الصورة، وقد قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقد ثبت في الحديث الصحيح: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، انتهى. وفي شرح الشفاء للقاري: حكى الترمذي عن قتادة مرسلا ورواه الدارقطني من حديث قتادة عن أنس موقوفاً: ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتاً من الكل، فيشمل حسن صورة يوسف وصوت داود باعتبار الصباحة والملاحة، وزيادة البلاغة والفصاحة، وقد قيل: يوسف أعطى شطر حسن آدم، وقيل: شطر حسن جدته سارة، لأنها لم تفارق الحور إلا فيما يعترى الآدمية من الحيض وغيره، وقد أعطى محمد -صلى الله عليه وسلم- كمال الجلال والجمال من تمام الصباحة فما رآه أحد إلا هابة، ومن تمام الملاحة فما رآه أحد إلا أحبه، انتهى. وفي جمع الوسائل تحت حديث قتادة المذكور: ولا ينافى ذلك حديث البيهقي وغيره في المعراج أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في حق يوسف: فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، لأن المراد أحسن ما خلق الله بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- جمعاً بين الحديثين، على أن هاهنا قولا لجماعة من الأصوليين أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه، وحمل ابن المنير رواية مسلم أنه أعطى شطر الحسن الذي أعطيه نبينا -صلى الله عليه وسلم-، انتهى. قلت: ولا يذهب عليك أن حديث قتادة ضعيف عندهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>