للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [قال سفيان يقول قد احتج] أي غلب (١) في حجته، وإنما افتقر إلى التفسير لأن الظاهر من الفلاح هو الخلاص، ولا يناسب هاهنا.

قوله [أفتراه صلى فيه] ولعله ذكر الآية لما أن دخول المسجد ليس إلا للصلاة إلا أنه سكت عن ذكرها لما لم تكن الآية نصا فيها، ثم هذا مقال (٢)


(١) ظاهر كلام الشيخ أن قوله: قد احتج تفسير من سفيان لقوله: أفلح، وهذا هو الأوجه، بل هو المتعين، والمعنى أن الراوي قد ذكر بلفظ أفلح، والمقصود منه احتج وفاز بالحجة، وقد رواه بلفظ: فلج، قال المجد: الفلج الظفر والفوز كالافلاج، وفي المجمع: الفالج الغالب في قمار فلجة وفلج عليه إذا غلب، انتهى. ولما كان معنى الغلبة في لفظ فلج لم يحتج إلى تفسيره وفسر الأول لخفاء معنى الغلبة فيه، وهذا إذا كان الأول بالحاء المهملة. والثاني بالجيم، وأما إذا كانا كلاهما بالمهملة أو كلاهما بالجيم، فان نسخ الترمذي هاهنا مختلفة مشتبهة، فاكتفى على تفسير الأول استغناء به عن الثاني، وأياما كان فالظاهر من سياق العبارة أنه تفسير عن سفيان، فما يظهر من كلام المحشي أنه رواية أخرى مكان أفلح بأياه السياق، ولا يذهب عليك أيضاً أن النسخة المصرية وقع فيها هاهنا تخليط وسياقها هكذا: فقال حذيفة: من احتج بالقرآن فقد قال سفيان: يقول فقد احتج، وربما قال: أفلح، انتهى. وقال ألدمنتي: من احتج بالقرآن فقد أفلج، بفاء فلام فجيم: غلب، وبحاء يدل جيمه وبفوقية فجيم، انتهى. والحديث أخرجه الحاكم برواية أبي بكر بن أبى عياش عن عاصم مختصراً ليس فيه هذا اللفظ، وأخرجه أحمد بطرق منها طريق شيبان عن عاصم ولفظه: قال: من تكلم بالقرآن فلج، الحديث.
(٢) ولذا أنكر عليه عامة أهل التحقيق من شراح الحديث وغيرهم، فقد قال الحافظ في الفتح: فهذا لم يسنده حذيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيحتمل أنه قال عن اجتهاد، وقال في موضع آخر: ولعل حذيفة أشار إلى ما وقع في ليلة الإسراء المجردة التي لم يقع فيها معراج على ما تقدم من تقرير وقوع الإسراء مرتين، وقال في موضع آخر: وقوله في حديث ثابت: فربطته بالحلقة، أنكره حذيفة فيما روى أحمد والترمذي من حديثه، وقال البيهقي: المثبت مقدم على النافي، يعني من أثبتت ربطة البراق والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك، فهو أولى بالقبول، وأنكر حذيفة الصلاة في بيت المقدس واحتج بأنه لوصلي فيه لكتب عليكم، والجواب عنه منع التلازم في الصلاة إن كان أراد بقوله: كتب عليكم، الفرض، وإن أراد التشريع فنلتزمه، وقد شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة في بيت المقدس، فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الرحال، وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث، ثم بسط الحافظ في ذكر الروايات الدالة على ربط البراق والصلاة فيه. وقال القسطلاني في المواهب: قد أنكر حذيفة ربط البراق بالحلقة وصلاته -صلى الله عليه وسلم- في بيت المقدس، وتعقبه البيهقي وابن كثير بأن المثبت مقدم على النافي وقد وقع ذلك في رواية بريده عند البراز: لما كان ليلة أسرى به، فأتى جبرئيل الصخرة التي بيت المقدس فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق، ونحوه للترمذي، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي: فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء تربطها فيه، فدخلت أنا وجبرئيل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين، وفي رواية ابن مسعود نحوه، زاد: ثم دخلت المسجد، فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد، ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبرئيل فقدمني فصليت بهم، وفي حديث ابن مسعود أيضاً عند مسلم: وحانت الصلاة فأتمهم، وفي حديث أبي سعيد: ثم سار حتى أتي بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، وذكر غير ما تقدم من الروايات، ثم قال: قال القاضي عياض: يحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى بالأنبياء جميعاً في بيت المقدس. ثم صمد إلى السماء، ويحتمل أن يكون صلى بهم بعد أن هبط من السماء فهبطوا أيضاً، والأظهر أن صلاته بهم كان قبل المروج. وقال ابن كثير: صلى بهم قبل العروج وبعده، فان في الحديث ما يدل على ذلك، ولا مانع منه، وقد اختلفت في هذه الصلاة هل هي فرض أو نقل؟ وإذا قلنا إنه فرض فأي صلاة هي؟ قال بعضهم: الأقرب أنها الصبح، ويحتمل العشاء، وإنما يتأتى على قول من قال: إنه صلى بهم قبل المعروج، وأما على قول من قال: صلى بهم بعد العروج، فتكون الصبح، انتهى مختصراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>