للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [أمر برجلين وامرأة] حسان ومسطح وحمنة رضي الله عنهم، وأما المنافق عبد الله بن أبي فلا يذكر (١) هل حد أم لا، وعلى الثاني فالظاهر أنه نشر الحديث لخبثه بحيث لا يكون نسبته إليه واضحاً فسلم، وقيل: لم يحد لخوف الفتنة.


(١) أي في الروايات المشهورة، وإليه مال ابن القيم وابن بطال وغيرهما، قال الحافظ: وعند أصحاب السنن من طريق محمد بن إسحاق بسنده عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام حد القذف على الذين تكلموا بالإفك، لكن لم يذكر فيهم عبد الله بن أبي، وكذا في حديث أبي هريرة عند البزار، وبني على ذلك صاحب المدى فأبدى الحكمة في ترك الحمد على عبد الله بن أبي، وفاته أنه ورد أنه ذكر أيضاً فيمن أقيم عليه الحمد، ووقع ذلك في رواية الحاكم في الإكليل، وفيه رد على الماوردي حيث صحيح أنه لم يحدهم مستنداً إلى أن الحد لا يثبت إلا بينة أو إقرار، ثم قال: وقيل: إنه حدهم، وما ضعفه هو الصحيح المعتمد، وقال أيضاً: في الحديث تأخير الحد عمن يخشى من إيقاعه به الفتة، نبه على ذلك ابن بطال مستنداً إلى أن عبد الله بن أبي كان ممن قذف عائشة ولم يقع في الحديث أنه ممن حد، وتعقبه عياض بأنه لم يثبت أنه قذف بل الذي ثبت أنه كان يستخرجه ويستوشيه، قال الحافظ: وقد ورد أنه قذف صريحاً، وقع ذلك في مرسل سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم وغيره، وفي مرسل مقاتل بن حيان عند الحاكم في الإكليل بلفظ: فرماها عبد الله بن أبي، وفي حديث ابن عمر عند الطبراني بلفظ أشنع من ذلك، وورد أيضاً أنه ممن جلد الحد، وقع ذلك في رواية أبي أويس عن الحسن بن زيد وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهما مرسلاً، أخرجه الحاكم في الإكليل، فإن ثبتا سقط السؤال، وإن لم يثبتا فالقول ما قال عياض، فإنه لم يثبت خبر بأنه قذف صريحاً ثم لم يحد، انتهى. وقال الشيخ ابن القيم: ولما جاء الوحي ببراءتها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن صرح بالإفك فحدوا ثمانين ثمانين، ولم يحد الخبيث عبد الله بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك، فقيل: لأن الحدود تخفيف عن أهلها وكفارة والخبيث ليس أهلاً لذلك، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، فيكفيه ذلك عن الحد. وقيل: بل كان يستوشي الحديث ويجمعه ويحكيه ويخرجه في قوالب من لا ينسب إليه، وقيل: الحد لا يثبت إلا بالإقرار أو بينة وهو لم يقر بالقذف ولا شهد به عليه أحد، فإنه إنما كان يذكره بين أصحابه ولم يشهدوا عليه، ولم يكن يذكره بين المؤمنين، وقيل: حد القذف حق الآدمي لا يستوفي إلا بمطالبته، وإن قيل: إنه حق الله فلا بد من مطالبة المقذوف وعائشة لم تطالب به ابن أبي، وقيل: ترك حده لمصلحة هي أعظم من إقامته كما ترك قتله مع ظهور نفاقه وتكلمه بما يوجب قتله مراراً، وهي تأليف قومه وعدم تنفيرهم عن الإسلام، فإنه كان مطاعاً فيهم رئيساً عليهم فلم يؤمن إثارة الفتنة في حده، ولعله ترك لهذه الوجوه كلها، فجلد مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، وهؤلاء ومن المؤمنين الصادقين تطهيراً لهم وتكفيراً، وترك عبد الله بن أبي إذاً فليس هو من أهل ذاك، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>