وأما ما نقله البيضاوي من قصة طويلة (١) فغلط، والآخذون للرهن إنما هم المشركون.
(١) تقدمت القصة مفصلة في هامش أبواب القراءة، والغلط من أخذ أبي بكر قمار المشركين، ولذا قال الشيخ: والآخذون للرهن إنما هم المشركون، ولعل الباعث إلى الغليط أنه يخالفه حديث الترمذي الآتي من رواية نيار ابن مكرم، وقد صححه المصنف وغيره، وقال الحافظ في الإصابة: رواه ابن خزيمة ورجاله ثقات، وفيه تصريح، لأخذ المشركين رهن أبي بكر، وقال السيوطي في الدر: أخرجه الترمذي وصححه الدارقطني في الأفراد، والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل، والبيهق في شعب الإيمان، وذكره ابن كثير، ثم قال: وقد روي نحو هذا مرسلاً عن جملة من التابعين مثل عكرمة والشعبي، ومجاهد وقتادة، والسدى والزهري وغيرهم، قلت: لكن البيضاوي لم ينفرد بذلك بل أطبق عليه عامة المفسرين من الخازن والعالم، والمدارك والكشاف، وروح المعاني والسراج المنير لمحمد الشربيني الخطيب، ووافقهم على ذلك شراح البيضاوي من القنوي والشهاب، وشيخزاده وغيرهم، كصاحب الجمل) والصاوي، والإكليل على المدارك، وأهل السير كصاحب الخميس، والقاري في شرح الشفا، والخفاجي في شرحه أيضاً، واستدل بذلك ابن الهمام للحنفية، وقال: فأخذ أبو بكر خطره: فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أر من تعرض لهذا الاختلاف من مشايخ التفسير أو شراح الحديث، وقد عرفت مختار الشيخ أنه رجح رواية الترمذي، ولعله لكونها رواية الصحاح، ويمكن عندي أن يجمع بينهما بتعدد المقامرة، وأئمة التفسير اكتفوا على ذكر الآخر منهما لكونه هو المنتهى والمآل، ولأن ما أخذه المشركون أولا ردوه آخراً مع الزيادة، ويستأنس هذا الجمع مما قال السيوطي في الدر: أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم، وابن مردويه وابن عساكر، عن البراء بن عازب قال: لما أنزلت «الم غلبت الروم» الآية، قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك، يزعم أن الروم تغلب فارس، قال: صدق صاحبي، قالوا: هل لك أن نخاطرك؟ فجعلوا بينه وبينهم أجلا، فحل الأجل قبل أن يبلغ الروم فارس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فساءه وكرهه، وقال لأبي بكر: ما دعاك إلى هذا؟ قال: تصديقاً لله ورسوله، قال: تعرض لهم وأعظم الخطر واجعله إلى بضع سنين، فأتام أبو بكر فقال: هل لكم في العود فإن العود أحمد، قالوا: نعم، ثم لم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارس، وربطوا خيولهم بالمدائن، فقمر أبو بكر، فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا السحت تصدق به، انتهى. وتقدم الكلام على السحت في أبواب القراءة، وليس هذا اللفظ فيما ذكره ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم، ولفظه: فجاء به أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا التنحيب، قال: تصدق به، انتهى. فهذا الحديث يستأنس منه التكرار بوجوه تظهر من التأمل في السياق، ويؤيده أيضاً ما في الدر وابن كثير برواية ابن جرير عن ابن مسعود بلفظ: فبايعوه على أربعة قلائص إلى سبع سنين، فمضى السبع سنين ولم يكن شتى، ففرح المشركون بذلك، وشق على المسلمين، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما بضع سنين عندكم؟ قالوا: دون العشر، قال: اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل، قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففي هذا الحديث وإن لم يكن ذكر أخذ القمار لكنه ظاهر، وقد ثبت منه أن زيادة الأجل كانت بعد ما مضى والأجل الأول.