للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يتحصل من كلام الأستاذ أدام الله ظلال جلاله وأفاض على الطالبين من زلال نواله أن الشرك (١) والكفر لتضمنها من المراتب المتناهية ما يربو على حصر حاصر واشتمالهما من الدرجات المتفاوتة على ما لا يكاد يضبطه لسان ذاكر صارا معدودين في عداد الكليات الغير المتواطئة فكل منهما مقول بالتشكيك على الصغائر حتى اللمم وعلى الكبائر حتى الكفر الحقيقي المقابل للإيمان الأنوار والظلم فكل من تلك المراتب ساغ عليها إطلاق كل منهما لدخوله في مدلول لفظه من غير ارتكاب تكلف وتجتمع به أكثر تلك الروايات من غير عدول عن جادة الطريق وتعسف ومما يدل عليه أنهم اتفقوا من آخرهم على أن المراد بالشرك في قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)} هو الزياء لكونه شركًا خفيًا فهذا التفسير منهم تنصيص على أن كل مرتبة من مراتب الإثم مرتبة من الكفر ويؤيده أيضًا ما ورد في بعض الروايات من قوله شرك (٢) دون شرك ولعلك بعد تدبرك


(١) يعني أنهما كليان مشككان والكلي إن كان صدقه على أفراده الذهنية والخارجية على التساوي يسمى متواطيًا كالإنسان وإن كان صدقه على بعضها أولى وأقدم وأشد من البعض الآخر يسمى مشككًا.
(٢) الظاهر أنه أراد الرواية بالمعنى فقد وردت الروايات الدالة على هذا المعنى بألفاظ عديدة مختلفة منها ما في الدر المنثور عن شداد قال كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر، وأخرج عن أحمد والحاكم وغيرهما عن شداد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك ثم قرأ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} الآية وأخرج عن البيهقي وغيره عن عبد الرحمن بن غنم قيل له أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صام رياء فقد أشرك ومن صلى رياء فقد أشرك ومن تصدق رياء فقد أشرك قال بلى ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} فشق ذلك على القوم واشتد عليهم فقال ألا أفرجها عنكم قالوا بلى يا رسول الله فقال هي مثل الآية التي في الروم وما أتيتم من راء ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله فمن عمل رياء لم يكتب لا له ولا عليه، وأخرج عن الحاكم وصححه والبيهقي وغيره عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي لمكان رجل وغير ذلك من الروايات الكثيرة وبوب البخاري في صحيحه كفر دون كفر، قال الحافظ: أشار إلى أثر رواه أحمد في كتاب الإيمان من طريق عطاء بن أبي رياح وغيره وأخرج السيوطي في الدر عن الحاكم وصححه والبيهقي وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال كفر دون كفر، الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>