العلمي والذكاوة وقدرة التحرير ومهارة الأدب، وقد اهتم بكتابته جدًا لكنها لا تفوق عن درجة المسودات اللاتي لم تفز بالنظر الثاني من المؤلف ولا تبييضها فكنت اشتهي أن يتوجه إليه أحد من المهرة أصحاب الفن فينظر إليه ثانيًا فإن وجد فيه زيادة أو نقصًا أزال منه ما لا بد من إزالته وأصلح فيه ما يحتاج إلى ذلك، ولكني رأيت أن الكمل الذين هم أهل الفن حقيقة لا يتفرغون لذلك، فإن المشاغل قد أحاطت بهم إحاطة الهالة بالقمر ومن ليس في درجتهم لا اعتداد بهم وهذا الذي حيرني وأخرني إلى هذه المدة.
فلما رأيت أن أناسًا يريدون أن يستنسخوها مني، ثم يطبعوها خفية ووجدت أناسًا طبعوا بعض الأجزاء مما استنسخوها عن نسخة نقلت عن الأصل فمسخوها وحرفوها وصحفوها، فرأيت أن طبعها بالحالة الراهنة أولى وأفيد من هذه الطباعات الممسوخة فتوكلت على الله وشمرت عن ساق الجد، ثم وجدت تأييدات غيبية حركتني إلى ذلك وأزعجتني، فإن تقارير بعض المجلد الثاني من الترمذي ضاعت في حياة سيدي الوالد المرحوم لغفلة بعض الناسخين فسعى حضرته لتحصيلها، فلم يفز ثم سعيت جدًا فلم أصل لا إلى الأصل ولا إلى نقله، وكنا في غاية القنوط واليأس من جهتها إذ فزت بنقل ذلك من مكتبة مولانا فتح محمد المرحوم التهانوي نسخ من الأصل في سنة ١٣١٣ هـ، فوصل إلى بتأييد بعض طلاب الحديث فوجدته تأييدًا غيبيًا وأمرًا إلهيًا حضني على الإسراع والتعجيل وزجرني عن التوقف والتأخير، وكذلك ظهرت محركات عديدة وتأييدات متواترة من غير ما ذكر أفهمتني أنه قد جاء أوان طبعها فاعتصمت بالله سبحانه فنظرت إلى الأصل، ثم طبعتها وقدمتها للناظرين.
وحيث إني لست من فرسان هذا الميدان ولا لي فراغ من أجل تسويد أوجز المسالك في شرح الموطأ للإمام مالك والمشاغل التدريسية وغيرها مما يتعلق بالمدرسة، لم يتيسر لي النظر إلى الأصل بالإتقان والتدبر التام، فإنه يحتاج إلى ملكة قوية وفراغ تام فحيثما ظهر لي في بادئ الرأي شيء من سبق قلم أو إجمال مخل