(٢) وتوضيح كلام الترمذي واختلاف الفقهاء في ذلك أن الإمام الترمذي ذكر في المسألة أربعة مذاهب: الأول قول بعض التابعين إذا كان الدم مقدار الدرهم ولم يغسله أعاد الصلاة وحكاه ابن قدامة عن بعضهم فقال قال قتادة موضع الدرهم فاحش ونحوه عن النخعي وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم، انتهى، والثاني مذهب الثوري وابن المبارك أن الأكثر من قدر الدرهم يفسد الصلاة وهو مذهب الحنفية وسيأتي البسط في ذلك، والثالث مذهب أحمد لا يجب الإعادة وإن كان أكثر من الدرهم وكلام الترمذي هذا موهم لعدم فساد الصلاة عند أحمد مطلقًا ولذا اضطر الشيخ إلى توجيه بحمله على النسيان أو على الشرائط الساقطة وغير ذلك والحق أن في مسلك الإمام أحمد تفصيلاً في ذلك ففي المغني وإن صلى وفي ثوبه نجاسة وإن قلت أعاد إلا أن يكون ذلك دمًا أو قيحًا يسيرًا مما لا يفحش في القلب وأكثر أهل العلم يرون العفو عن يسير الدم والقيح وممن روى عنه ذلك ابن عباس وأبو هريرة وجابر وابن أبي أوفى وغيرهم، وقال الحسن كثيره وقليله سواء ونحوه عن سليمان التيمي لأنه نجاسة فأشبه البول ولنا ما روى عن عائشة في الدرح فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها رواه أبو داؤد وهذا يدل على العفو لأن الريق لا يطهر به ويتنجس به ظفرها وهو إخبار عن دوام الفعل ومثل هذا لا = يخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصدر إلا عن أمره ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعًا فظاهر مذهب أحمد أن اليسير ما لا يفحش في القلب وروى عنه أنه سئل عن الكثير فقال شبر في شبر، وفي موضع قال: قدر الكف فاحش وظاهر مذهبه والذي استقر عليه قوله في الفاحش أنه قدر ما يستفحشه كل إنسان، انتهى، فعلم من ذلك ما يوهم كلام المصنف عدم فساد الصلاة مطلقًا ولو أكثر من قدر الدرهم مقيد بعدم الفحش، والرابع مذهب الشافعي وسيأتي قريبًا.