للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يمنعني إذا استأذنت، وإن كان في نساء حجبهن وأذن لي، أو خرج بنفسه النفيسة إلى قوله [فإنك لن تأخذ عن أحد أوثق مني] لأن جيل الصحابة (١) قد انقرضوا فلم يبق إلا من أخذ منهم، وبكثرة الوسائط يختل الوثوق.

قوله [فما نسيت شيئًا حدثني به] أي في مجلسه (٢) ذاك وغيره.


(١) وقد تعددت الروايات بنحو ذلك عن أنس بالألفاظ المختلفة، وبمثل ما أفاده الشيخ فسرها الشراح، فقد أخرج البخاري في (باب رفع العلم) عن قتادة عن أنس قال: لأحدثنكم حديثًا لا يحدثنكم أحد بعدي، الحديث.
قال الحافظ: عرف أنس أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره؛ لأنه كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة، فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة، أو كان عامًا، وكان تحديثه بذلك في آخر عمره؛ لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، إلا النادر ممن لم يكن هذا المتن في مرويه، وقال ابن بطال: يحتمل أنه قال ذلك لما رأى من التغيير ونقص العلم، يعني فانقضى ذلك عنده أنه لفساد الحال أيحدثهم أحد بالحق، انتهى.
(٢) يعني ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجلس أوغيره ما نسيت شيئًا من ذلك، والمقصود التعميم، وهذا هـ والوجه في معنى الحديث، واختلفت ألفاظ الرواية، ولفظ البخاري في (باب حفظ العلم) برواية المقبري عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثًا كثيرًا أنساه، قال: ابسط رداءك، فبسطته، قال: فغرف بيديه، ثم قال: ضم! فضممته، فما نسيت شيئًا بعد، قال الحافظ: تنكير شيئًا بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شيء من الحديث وغيره، ووقع في رواية ابن عيينة وغيره عن الزهري عند البخاري: فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه، وفي رواية يونس عند مسلم: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدثني به، وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث، ووقع في رواية شعيب عند البخاري في البيوع: فما نسيت من مقالته تلك من شيء، وهذا يقتضي عدم النسيان بتلك المقالة فقط، لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه؛ لأن أبا هريرة نبه به على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان، فالتي رواها الزهري مختصة بتلك المقالة، والقضية التي رواها المقبرى عامة، وأما ما أخرجه ابن وهب من طريق الحسن بن عمر وبن أمية قال: تحدث عند أبي هريرة بحديث فأنكره، فقلت: إني سمعته منك، فقال: إن كنت سمعته مني فه ومكتوب عندي، فقد يتمسك به في تخصص النسيان بتلك المقولة، لكن سنده ضعيف، ويلتحق به حديث أبي سلمة عنه: لا عدوى، فإنه قال فيه: إن أبا هريرة أنكره، قال: فما رايته نسى شيئًا غيره، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>