للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقابلة أحد الذهب، والفضل (١) لهم ثابت على المعنيين كليهما، وإن كان في


(١) وظاهر هذا الحديث والتي تقدمت من الروايات أن الصحابة أفضل من التابعين، وهم من أتباعهم، قال الحافظ في الفتح: هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره، أو أنفق شيئًا من ماله بسببه، لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا من كان، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث. والأصل في ذلك قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}، الآية، واحتج ابن عبد البر بحديث: مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره، وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة، وأغرب النووي فعزاه في فتاواه إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف، مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس، وصححه ابن حبان من حديث عمار. وأجاب عنه النووي بما حاصله أن المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى، ويرون ما في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر، فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أي الزمانين خير، وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني، وقد روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جفر أحد التابعين بإسناد حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدركن المسيح أقوامًا إنهم لمثلكم أو خير ثلاثًا، الحديث. وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه: تأتى أيام للعامل فيهن أجر خمسين، قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: بل منكم، وهو شاهد لحديث: مثل أمتي مثل المطر، واحتج ابن عبد البر أيضًا بحديث عمر رفعه: أفضل الخلق إيمانًا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني، الحديث أخرجه الطيالسي وغيره، لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه، وروى أحمد والدرامي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله أأحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني، إسناده حسن، وقد صححه الحاكم، وتعقب كلام ابن عبد البر بأن مقتضى كلامه أن يكون في من يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة، وبذلك صرح القرطبي، لكن كلام ابن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة، فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية، نعم الذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده؛ لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده، فظهر فضلهم، ومحل النزاع يتمحض في من لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة كما تقدم، فإن جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجهًا على أن حديث: للعامل منهم أجر خمسين منكم، لا يدل على أفضيلة غير الصحابة على الصحابة؛ لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضًا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل، فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد، فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة، وأما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه، فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم، ورواه بعضهم: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من قوم أعظم منا أجرًا؟ الحديث. أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة، وهي توافق حديث أبي ثعلبة، وتقدم الجواب عنه، انتهى. قلت: وتقدم بعض ما يتعلق بحديث الشهادة في أبوابها.

<<  <  ج: ص:  >  >>