للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها، وأما ما قيل من أن مدرك الركعة الأولى مدرك التكبيرة الأولى ففيه أن الإدراك حينئذ لا يكون إلا بمعنى اللحوق وأنت تعلم أنه يلزم على هذا أن يكون اللاحق بعد تسليم الإمام وعليه سهوًا مدركًا للتكبيرة الأولى بصدق اللحوق فإن حكم التكبيرة الأولى باق بعد وفساده غير أخفى.

قوله [كتب له براءتان] لما كان للظاهر تأثيرًا في الباطن فقلما يتخلف إصلاح الظاهر (١) عن تأثير في إصلاح الباطن وإفساد الظاهر عن تأثير في إفساد الباطن وقد جعل الله في العدد الذي ذكر من قبل أثرًا لتبديل الحال كما يشاهد في خلقة النطفة وقصة موسى عليه السلام وغير ذلك من النظائر كان دوامه على هذه الفضيلة العظمى والمنقبة الكبرى مؤثرًا في إصلاح باطنه لا محالة وكان ذلك علامة على خلاصه من دخول النار أو خلود النار ويجوز (٢) أن يستنبط منه حصول أثر في الأربعينات.

قوله [براءة من النار] وإن كان يستلزم براءته من النفاق أيضًا إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه بذلك على أن دوامه على هذه أربعين يومًا دليل على أنه ليس بمنافق وأن مثل ذلك لا يتصور من منافق فكان ذلك علمًا على براءته من النار، والحاصل أن براءته من النار لما كان أمرًا لا يدرك إلا في الآخرة وما بعد الممات أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعلامة يدرك بها في دار الدنيا أيضًا ولا يظن أن فعله ذلك من النفاق.


(١) وهذا مما لا ينكره الجاهل أيضًا ولذا اهتم المشايخ في إصلاح الظاهر من الطهارة واللباس والصلاح ليرزق الله صلاح الباطن.
(٢) قال أبو الطيب: وفي عدد الأربعين سر مكين للسالكين نطق به كتاب من رب العالمين وسنة سيد المرسلين فقد جاء في الحديث من أخلص لله أربعين يومًا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه فكأنه جعل هذا المقدار من الزمان معيارًا لكماله في كل شأن كما كملت له الأطوار في هذا المقدار، وقوله عن أنس موقوفًا لكن مثل هذا لا يقال بالرأي فموقوفه في حكم المرفوع، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>