للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم أن في المسألة شد الرحال إلا الأمكنة الشاسعة والديار النازحة خلافًا بين الأئمة فمنهم ومنهم النووي والقارئ من حمل الحديث على أن النهي منه عليه السلام إنما صدر لشفقته على أمته فإنه لو سافر أحد من مسجد محلته إلى مسجد مصر بعيد يلاقي في سفره مشاق وتكاليف وليس له في ذلك المسجد الذي ذهب إليه كثير أجر حتى ينجبر نبيله ما ناله ولذلك لم يذكر فيها مسجد قباء لأن الصلاة فيها ليست إلا كعمرة وثواب العمر (١) حاص بجلوسه في مسجده يذكر الله إلى الطلوع وكذلك مزيد الأجر في مسجد الجامع ليس إلا بكثرة الجماعة لا بوصف في نفس المسجد.

وأما إذا سافر إلى مسجد من هذه الثلاثة التي ذكرت ففي أجرها انجبار لما ناله في سفره من مكروهات ربما تبعثه على فوات ما يجب عليه وارتكاب ما هو منهي عنه والمستثنى على هذا التقدير إنما هو المسجد ومع هذا فلو سافر إلى مسجد أو مزار (٢) أو مكان لا يأثم ولو نذر الصلاة في مسجد ثم لم يسافر إليه وصلى في مسجد آخر أجزأته عن نذره.

وأما إذا نذر الصلاة في شيء من تلك المساجد فالأولى له أن يصلي فيما يعينه وإن كان تجزئ (٣) عنه الصلاة في غيره أيضًا وقال الآخرون ومنهم المولى ولي الله


(١) قلت: بل ثواب الحج أيضًا ففي جمع الفوائد برواية الكبير بلين عن أبي أمامة رفعه من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تامًا له حجته وعمرته وعن أبي أمامة أيضًا عند أبي داؤد رفعه من خدج من بيته مطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المرحوم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، الحديث.
(٢) موضع الزيارة كما في لسان العرب وغيره والمراد المقبرة.
(٣) ففي المراقي والغنيا تعيين الزمان والمكان فيجزيه صلاة ركعتين بمصر مثلاً وقد كان نذر أدائها بمكة أو المسجد النبوي لأن الصحة باعتبار القربة لا المكان لأن الصلاة تعظيم لله تعالى بجميع البدن وفي هذا المعنى الأمكنة كلها سواء، انتهى مختصرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>