آخر والجواب أن الاستدلال والإيراد على طريق المحدثين تام إذ هم يستنبطون من كل لفظ ورد عليه الحديث مسألة، وإن كان الحادثة متحدة فعلى هذا إذا ورد لفظ في هذا الحديث وأصل معناها الظرفية صح إيراده ههنا، وإن لم تكن الظرفية بمرادة ههنا بل أراد بعد الصلاة.
قوله [هذا السلام عليك قد علمنا فكيف الصلاة عليك] كان الباعث لهم على ذلك السؤال ما قد علموا من رفعة حال النبي صلى الله عليه وسلم ونباهة شأنه فظنوا أن السلام والصلاة عليه ليسا كالسلام والصلاة المتعارفين فيما بينهم فلما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم داب السلام عليه فقال: التحيات لله والصلوات والطيبات والسلام عليك أيها أيها النبي ورحمة الله وبركاته، بقى الأمر في باب الصلاة مشتبهًا فسألوه عن ذلك فأجابهم بقوله قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ويعلم من ههنا أن الصلاة على غير الأنبياء تجوز إذا لم تكن أصالة، ولذلك زاد عبد الرحمن بن أبي ليلى لفظ علينا معهم لحمله لفظ آل على غير المعنى الذي يعم الكل فلا يرد أن عبد الرحمن كيف ارتكب البدعة لأن البدعة ما ليس له أصل شرعي وعلم أيضًا أن الزيادة إنما تجوز بعد الألفاظ المأثورة أو قبلها لا في خلالها، ولذلك كان عبد الله بن مسعود يزيد ما يزيد في تلبيته بعد التلبية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أيضًا أن التوكيل في قدر الصلاة كمًا وكيفًا إليه تبارك وتعالى هو الأولى لا كما أحدثه من بعد من صيغ الصلاة التي فيها تحديد وتوقيت إذ من الظاهر أن الأنعام على قدر المنعم عليه فإذا سعى من له وجاهة في جناب الملك أن يخلع على الوزير فإنما المراد به الخلعة على قدر منزلته وإن لم يصرح بذلك ولما كان كذلك فإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فإنما المراد بها الصلاة التي توازي جهده وعناءه وتساوي قدره وعلاءه فلعل بعض تحديدها تنقيص بشأنه مع خلاف للصيغ التي صدرت عن مشكاة النبوة وارتضاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، ثم اختلفوا في موسى وعيسى وإبراهيم أيهم أفضل ووجه بيان هذا الاختلاف ههنا اختيار إبراهيم عليه السلام في التشبيه دون غيره من الرسل