ما يدل على أنه لم يحضر إلا ليرى النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يفعل فهلا قام في الصف المقدم وأعاره سمعه وقلبه، فكيف يرجح على روايته رواية من لم يشهده شهوده، ولم يبذل فيه مجهوده، ولم يسق القضية كسياقه ولم يخض فيها بأعماقه مثل عائشة رضي الله عنها وعنهم، والوجه في اختلاف الروايات في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أطال بهم القراءة جدًا كما ثبت بما رواه سمرة أيضًا، فالذين لم يكونوا في الصف المقدم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر تارة ويسبح تارة، ويسمع آية تارة كانوا يظنون تكبيرته ركوعًا فيركعون، وكذلك عائشة كانت تسمع القراءة أحيانًا وتكبيراته تارة، فروت مثل ما سمعت وهذا هو السبب (١) في اختلاف الروايات عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك، والقضية
(١) وإلا فلا وجه لمثل هذا الاختلاف الكثير الطويل في قضية واحدة، وما قالوا إن روايات تثنية الركوع صحيحة، وما عداها ضعيفة فعلى أنها مجرد دعوى لأن روايات ما عداها مضاعفة بإضعاف الروايات التي فيها تثنية الركوع وقد صحح بعضها جمع من المحدثين منهم الترمذي كما سترى، هذا وقد ورد من حديث أبي بكر وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وقبيصة الهلالي والنعمان بن بشير أنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين كصلاة العيد، قال ابن عبد البر: وهي كلها آثار مشهورة صحاح، ومن أحسنها حديث أبي قلابة عن النعمان، قلت: وقد بسط الكلام على هذه الروايات، وذكر تخريجها في الأوجز على أنه قد ورد الأمر بقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة، رواه النسائي وأحمد، قال النيموي: إسناده صحيح، قلت: وقال الحاكم صحيح على شرطهما، وأنت خبير بأن القول والفعل إذا تعارضا ترجح القول كما هو معروف عند أهل الفن مع أن روايات الفعل متعارضة وروايات القول سالمة عن المعارضة فضلاً عن كونها موافقة للأصول ومرجحة بالقياس ووجوه الترجيح بسطت في الأوجز.