للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير مراده أو إشغاله بذكر شيء آخر، أو بيان أن ذلك ليس على قدرك أو غير ذلك من الأعذار، وكان ابن مسعود ظن السائل لم يقرأ القرآن وأن سؤاله هذا ليس لرغبة له في تحقيق كلامه سبحانه بل جاريًا على ما يعتاد العوام من إكثار السؤال فيما لا يعنيهم، والإلحاح في تحقيق ما لا يعنيهم، إلا أنه اتفق ههنا أن الرجل كان قد قرأ القرآن ثم أشار إلى أن مقتضى ترتيب العلوم في التحصيل أن يكون مطمح نظرك ومنتهي فكرك التدبر في آياته والتفكر في نصوصه وإشاراته، وأما تحقيق القراآت، فأمر زائد لا يحتاج إليه كثيرًا، وإن كان فبعد (١) ذلك، وقوله [إن قومًا ينثرونه نثر الدقل] هذا جواب عما قاله الرجل، ولكنه غير مذكور ههنا، وهو أنه قال: قرأت المفصل في ركعة، فرد عليه ابن مسعود وقال: إن ناسًا يقرأونه ولا يستلذون به ويهذونه هذا الشعر، فلعل قراءتك من هذا القبيل، والدقل الردي من التمر، وهذا تصوير لقراءتهم بحيث يتقرر في ذهن السامع تصويرًا لما لا يحس بنقصه بما يحسن نقصانه، ونقلاً لما يقل وقوعه بما يكثر، فكما أن الرجل إذا أكل الدقل -وهو ردي التمر- لا يمكنه في فمه كثيرًا، وكذلك القراء المذكورون لا يمكنون الألفاظ تمكينًا ولا يجودون الحروف تجويدًا بل يسرعون في نثر ألفاظ القرآن ولفظ حروفه إسراع أكل الدقل في لفظه عن فمه إذ ليس فيه شيء من الحلاوة يمصه ويستلذ به بخلاف أكل الجيد منه والرطب فإنه لا يكاد يلفظه وفيه بقية من الحلاوة، وعلى هذا أمر التلاوة، ومعنى قوله [فيه لا يجاوز تراقيهم] إما إلى العلو فهو كناية عن عدم القبول أو إلى داخل القلب، فالمراد به خلو قراءتهم عن التأثير ثم اختلف في أن الإكثار من القرآن أفضل من غير أن يبالغ في الترتيل أم المبالغة في التجويد


(١) ثم في آسن قراءتان سبعيتان بالمد والقصر، وأما بالياء فليست في القراءة المعروفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>