أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعة)).
ثم إنه اعتنى اعتناءًا خاصًا بعلوم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، وتفرد ببعض المسالك في صناعة الأسانيد، لا يتفطن لها، ولا يعرف قدرها إلا من رسخت قدمه، وعلا كعبه في علوم الحديث وصناعته، هذا عدا فنون كثيرة اشتمل عليها هذا الكتاب، ولذلك قال حافظ بن الأثير في جامع الأصول ((هو أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحسنها ترتيبًا، وأقلها تكرارًا، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب، ووجوه الاستدلال، وتبيين أحوال الحديث من الصحيح والسقيم، والغريب. وفيه جرح وتعديل)) وقال الإمام أبو إسماعيل عبد الله محمد بن الأنصاري ((وكتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم ....... لأن كتابه يصل إلى فائدته كل أحد من الناس)).
وكان كلام شيخ مشائخنا شيخ الإسلام ولي الله الدهلوي أشمل لمحاسن هذا الكتاب وخصائصه، وأدق وأعمق في بيان فضله من بين الصحاح الستة، قال رحمه الله في ((حجة الله البالغة)):
((ورابعهم أبو عيسى الترمذي، وكأنه استحسن طريقة الشيخين حيث بينا وما أيهما، وطريقة أبي داؤد حيث جمع كل ما ذهب إليه ذاهب فجمع كلتا الطريقتين وزاد عليهما بيان مذاهب الصحابة والتابعين، وفقهاء الأمصار، فجمع كتابًا جامعًا، واختصر طرق الحديث اختصارًا لطيفًا، فذكر واحدًا وأومأ إلى ما عداه، وبين أمر كل حديث من أنه صحيح، أو حسن، أو ضعيف، أو منكر، وبين وجه الضعف ليكون الطالب على بصيرة فيعرف ما يصح للاعتبار عما دونه، وذكر أنه مستفيض أو غريب، وذكر مذاهب الصحابة وفقهاء الأمصار وسمى من يحتاج إلى التسمية، وكنى من يحتاج إلى الكنيسة، ولم يدع خفاءًا لمن هو من رجال العلم، ولذلك كاف للمجتهد مغن للمقلد)) (١).