لا تجوز تعدينه في غيرها، وقد تايد ذلك باختلاف الروايات في هذا ففي بعضها إعطاء صاع من التمر وفي الآخر أشياء آخر مختلفة، فتخصيص التمر من بينها ترجيح من غير دليل يقتضيه، وأيضًا فلا يمكن أن يجعل إعطاء شيء معين منها بدلاً من اللبن قليلاً كان أو كثيرًا قاعدة كلية وقانونًا يعمل به فكان الأمر مخصوصًا بمورده ولا يعلم نوعه ولالمه حتى يتعدى مثل تعدية الأحكام الغير القياسية، كنقض الوضوء بالقهقهة، فإن وإن كان غير مدرك بالقياس إلا أنه لما علم لمه عديناه إلى أفراد المورد، وإن لم يمكن تعديته إلى أنواع مورد الحكم حتى لم نقل بنقض طهارة من قهقه نائمًا أو في غير صلاة مطلقة أو كان صبيًا أو كانت الطهارة ضمنية، فوجب المصير إلى ما قلنا إنها كانت قضايا عين علم النبي صلى الله عليه وسلم بحالها، فلم يأمر إلا بما يناسبه، وأما نحن فلم يأمرنا إلا بذلك الكلية العامة، ولما لم يجتمعا بوجه من وجوه الجمع تركنا ما لم يك عندنا عامًا، فلما أخذه المشتري ظانًا لبنه أكثر مما يدره عادة ملكه عادة وشرعًا إلا أن له أن يرده إذا تحقق (١) الخداع لفوات الوصف المرغوب فيه ومع ذلك فلو هلكت الدابة وهي عند المشتري هلكت من ماله لما أن ملك المشتري قد تم فيها ودخلت في ضمانه، فكما أن المشتري انفق عليها من عنده، فكذلك له المنافع فكان لبنه وسائر منافعه له لا للبائع.
(١) هذا هو مقتضى القواعد فإنهم صرحوا قاطبة من وجد بالمبيع عيبًا أخذه بكل ثمن أو رده وما أوجب نقصان الثمن عند التجار فهو عيب وصرحوا لو اشترى عبدًا على أنه خباز أو كاتب فكان بخلافه أخذه بكل الثمن أو تركه لأن هذا وصف مرغوب فيه فيستحق بالعقد بالشرط، ثم فواته يوجب التخيير لأنه ما رضى به دونه، انتهى، لكنهم صرحوا أيضًا في مسألة المصراة أن التصرية ليست بعيب عندنا فليس له الرد بذلك ولا يرجع بالنقصان في رواية الكرخي ويرجع في رواية الطحاوي، وفي الدر المختار هو المختار للفتوى، نعم حكى النووي عن أبي حنيفة وبعض المالكية وغيرهم أن يردها ولا يرد صاعًا من تمر.