احتاج إليه وليس له بعد ذلك فيه استحقاق ولذلك منع صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء دون أصله فقوله نهى عن بيع الماء إن كان المراد به الغير المحرز منه فالنهي على ظاهره وهو التحريم، وإن كان المراد به الماء بعد الإحراز فالنهي تنزيه وتعليم لأمته مكارم الأخلاق، قوله [والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنهم كرهوا] إلخ، ظنًا منهم أن النهي عام والآخرون جوزوا البيع مطلقًا والحق ما قلنا.
قوله [لا يمنع فضل الماء إلخ] صورته رجل له مرعى وفيه بئر فأراد رجل أن يرعى فيه إبله فلم يمنعه مالك الأرض عن الرعي صراحة، وإنما تلطف في المنع بأن قال أما الكلاء فلا أمنعكم عن رعيه، وأما الماء فلا يفضل عن حاجتي حتى آذنكم فيه، والحال أنه قد كذب في هذا القول، وكان ذلك حيلة منه في منعه الكلاء فإنهم لما لم يجدوا الماء لم يرعوا الكلاء فإن الأكثر أن رعى الكلاء لا يمكن إلا ومعه سقى الماء فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ارتكاب مثل ذلك لما فيه من منع الكلاء وفضل الماء المحرمين وإخبارهم عن حال الماء أنه لا يفضل عن حاجته، وهو كذب وإنما يرتكب مثل ذلك لما أن رب الأرض الكالية (١) أسوة لسائر الناس
(١) يشكل عليه أن أصحاب الفروع صرحوا بأن حكم الكلاء والماء واحد ففي الدر المختار وحكم الكلاء كحكم الماء فيقال للمالك إما أن تقطع وتدفع إليه وإلا تتركه ليأخذ قدر ما يريد قال ابن عابدين الكلاء ما ينبسط وينتشر ولا ساق له كالأذخر ونحوه والشجر ماله ساق، والكلام في الكلاء على أوجه أعمها ما نبت في موضع غير مملوك لأحد فالناس فيه شركاء في الرعي والاحتشاش منه كالشركة في ماء البحار وأخص منه ما نبت في أرض مملوكة بلا إنبات صاحبها، وهو كذلك إلا أن لرب الأرض المنع من الدخول في أرضه وأخص من ذلك كله وهو أن يحتش الكلاء أو أنبته في أرضه فهو ملك له وليس لأحد أخذه بوجه لحصوله بكسبه، انتهى، قلت: اللهم إلا أن يقال إن في البئر لما وجد منه الصنع صار مقدمًا بخلاف الحشيش فلا صنع له فيه فلا ترجيح له وترجم البخاري في صحيحه باب من قال صاحب الماء أحق بالماء حتى يروي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع فضل الماء، وفي هامشه عن العيني، قال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروي، انتهى.