ومن ضمن هذه الإفادات والتحقيقات بل في مقدمتها هذه المجموعة التي (١) نتشرف بتقديمها، وتنشر للقراء العرب بالحروف الحديدية لأول مرة باسم ((الكوكب الدري)) وكان يقيد ما يسمعه من شيخه في درس جامع الترمذي نفس اليوم بالعربية، وكان ينتهز أول فرصة لتقييدها حتى لا تفوته فائدة، ولم يقدر له أن يستأنف النظر في هذه المذكرات، والفوائد المقيدة، وأن يحررها تحرير المؤلفات التي تؤلف على هدوء تام، وطمأنينة نفس، واجتماع فكر، وفراغ خاطر، واتساع وقت، إلا أنه- جزاه الله عن المشتغلين بتدريس الجامع، وعن جميع من يعرف قيمة هذه الإفادات التي هي عصارة دراسة طويلة، وتأمل كبير- قد صان هذه الدرر العلمية من الضياع والتلف، وترك أساسًا يبني عليه ويشيد البناء، فجاء نجله العلامة الشيخ محمد زكريا الذي قدر الله له حفظ هذا التراث العلمي ونشره، والتوسيع فيه، وإكمال ما بدأ به والده العظيم، وأفاد به شيخه الجليل، فتناول هذه المجموعة التي كادت تضيع وتطير به العنقاء، بالتحرير والتنقيح، والمقابلة والتصحيح.
وكتاب ((الكواكب الدري)) - وهو بالمذكرات أشبه منه بشرح ضاف واف، لجامع الترمذي- على وجازته وقلة حجمه، وعدم استيفائه للشرح للكتاب من أوله إلى آخره، يشتمل على فوائد كثيرة لا يعرف قيمتها إلا من اشتغل بتدريس الجامع طويلاً، وعرف مواضع الدقة والغموض التي لا يرتاح فيها المدرس الحاذق، أو الطالب الذكي إلى ما جاء في عامة الشروح والتعليقات، ويتوق فيها ويتطلع إلى ما يحل العقدة، ويروى الغلة بكلام فصل لا فضول فيه ولا تقصير، هذا إضافة إلى فوائد في اللغة وغريب الحديث وعلم الرجال والأصول، ومقاصد الشريعة، وفيه بعض النكت واللطائف التي يعين عليها صفاء النفس وإشراق القلب والحب، والقول السديد في ترجيح بعض الوجوه
(١) ظهرت الطبعة الحجرية في جزئين من المكتبة اليحيوية بسهارنفور قبل مدة طويلة.