ولما ثبت من بيان النبي صلى الله عليه وسلم وتوكيده من قوله: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة (١) » رواه البخاري ومسلم، وأن يحتسبوا في ذلك، ولا يملوا من كثرة تردد المريض ولا تضيق صدورهم من طول أمد العلاج، ولا ييأسوا من حسن العواقب، فإن الأمور بيد الله يصرفها كيف يشاء، ولا يمنعهم من ذلك استحكام الداء واستغلاق العلاج، وتوقع الموت والهلاك، فكم من مريض استعصى داؤه واستفحل أمره فوهب الله له الشفاء، وكم من مريض شخص داؤه وعرف دواؤه وأمل فيه الشفاء، فواتته منيته رغم عناية معالجيه، ولا تحملنهم المهارة في الطب وكثرة تجاربهم فيه على أن يجعلوا من ظنونهم حسب ما لديهم من أسباب قطعا، وأن يجعلوا من توقعاتهم واقعا، فكم من ظنون كذبت، ومن توقعات أخطأت، وليعلموا أنا وإن أمرنا بالأخذ بالأسباب فالشفاء من الله وحده مسسبب الأسباب، وعلم الآجال إليه وحده، لا يعلمها إلا هو، وعلى ولي الأمر العام أن يهيئ وسائل العلاج من أطباء وأجهزة ومستشفيات ونحو ذلك، فالجميع راع ومسؤول عن رعيته، كل في حقله وميدانه بقدر ما آتاه الله
(١) صحيح البخاري الديات (٦٨٧٨) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٦) ، سنن الترمذي الديات (١٤٠٢) ، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٦) ، سنن أبو داود الحدود (٤٣٥٢) ، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٤) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٣٨٢) ، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٨) .