ولما بين الفريقين من الفرق البين، فإن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قد تركوا أسبابا مادية، قد كرهها النبي صلى الله عليه وسلم وأسبابا معنوية قد يكون في جنسها شوائب شرك إلى أسباب روحية، هي: التوكل على الله ودعاؤه سبحانه تضرعا وخفية، وللأسباب المعنوية من التأثير بإذن الله في أنواع من الأمراض والبرء منها ما ليس للأسباب المادية، فهم لم يتركوا الأخذ بالأسباب مطلقا، وإنما اختاروا منها نوعا طابت به نفوسهم، وآثروه على غيره، مع إخلاص وصدق في التوكل على الله، وصبر على البلاء، ولم يستسلموا للأمراض يائسين من الشفاء، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم تركوا جميع الأسباب المادية المتاحة، وقد ثبت في الحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (١) » بخلاف من سئل عنه من الحمل والأطفال ذوي الآفات والأمراض المستعصية، فإن أحوالهم ومقاصد من يليهم من الآباء والأمهات ونحوهم تختلف عن حال أولئك ومقاصدهم، من جهة الإعراض عن الأسباب مطلقا - مادية ومعنوية - لليأس من الشفاء، ومن جهة القصد إلى الراحة من المريض وإراحته لضيق الصدر من القيام عليه والسآمة من طول علاجه مع اليأس من الوصول إلى نتيجة، لا للتوكل على الله والصبر على البلاء، والأمل في الشفاء من الله
(١) صحيح البخاري بدء الوحي (١) ، صحيح مسلم الإمارة (١٩٠٧) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٤٧) ، سنن النسائي الطهارة (٧٥) ، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٠١) ، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٢٧) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٤٣) .